باب الحرقى والغرقى
( قال رحمه الله ) : اتفق أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في وزيد بن ثابت أنه لا يرث بعضهم من بعض ، وإنما يجعل ميراث كل واحد منهم لورثته الأحياء به قضى الغرقى والحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولا في قتلى زيد اليمامة حين بعثه أبو بكر لقسمة ميراثهم وبه قضى في الذين هلكوا في طاعون زيد عمواس حين بعثه رضي الله عنه لقسمة ميراثهم وبه قضى عمر في قتلى زيد الحرة ، وهكذا نقل عن رضي الله عنه أنه قضى به في قتلى الجمل علي وصفين ، وهو قول وبه أخذ جمهور الفقهاء ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز علي [ ص: 28 ] رضي الله عنه في رواية أخرى أن بعضهم يرث من بعض إلا فيما ورث كل واحد منهم من صاحبه ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من الفقهاء وجه هذه الرواية أن سبب استحقاق كل واحد منهم ميراث صاحبه معلوم وسبب الحرمان مشكوك فيه ; لأن سبب الاستحقاق حياته بعد موت صاحبه ، وقد عرفنا حياته بيقين فيجب التمسك به حتى يأتي بيقين آخر وسبب الحرمان موته قبل موته وذلك مشكوك فيه فلا يثبت الحرمان بالشك إلا فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه لأجل الضرورة ; لأنا حين أعطينا أحدهما ميراث صاحبه فقد حكمنا بحياته فيما ورث من صاحبه ومن ضرورته الحكم بموت صاحبه قبله ولكن الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة ، وإنما تحققت هذه الضرورة فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه ففيما سوى ذلك يتمسك بالأصل فإن هذا أصل كثير في الفقه أن اليقين لا يزال بالشك كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو عكس ذلك ، فأما وجه القول الآخر أن سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا والاستحقاق ينبني على السبب فما لم يتيقن السبب لا يثبت الاستحقاق ; لأن في الفقه أصل كثير أن الاستحقاق بالشك لا يثبت . وعبد الله بن مسعود
وبيانه أن بقاؤه حيا بعد موت مورثه ولا يعلم هذا يقينا ، وإنما نعرفه بطريق الظاهر واستصحاب الحال ; لأن ما عرف ثبوته فالظاهر بقاؤه ولكن هذا البقاء لانعدام دليل المزيل لا لوجود المبقي فإنما يعتبر في بقاء ما كان على ما كان لا في استحقاق ما لم يكن كحياة المفقود يجعل ثابتا في نفي التوريث عنه ولا يجعل ثابتا في استحقاق الميراث عن مورثه وبهذا الطريق لا يرث كل واحد منهما من صاحبه ما يرثه عنه فكذلك سائر الأموال ، وهذا لأن الإرث يثبت بسبب لا يحتمل التحري فإذا تعذر إثباته في البعض يتعذر إثباته في الكل ولا وجه لاعتبار الأحوال هنا ; لأن ذلك إنما يكون عند التيقن بسبب الاستحقاق وسبب الحرمان والتردد فيما بين الأشخاص كطلاق المتهم في إحدى نسائه إذا لم يدخل بهن فإن سبب الإرث لبعضهن معلوم ، وهو النكاح وسبب الحرمان لبعضهن معلوم ، وهو عدم النكاح فتعتبر الأحوال للتردد بينهن بعد التيقن بأصل السبب ولا تيقن هنا بسبب الاستحقاق فلا معنى لاعتبار الأحوال يوضحه أن المقضي له والمقضي عليه هنا مجهول واعتبار الأحوال إنما يكون إذا كانت الجهالة في إحدى الجانبين أما في جانب المقضي له أو في جانب المقضي عليه ، فأما عند وقوع الجهالة فيهما لا يجوز القضاء أصلا ، ثم يجعل كأنهما ماتا جميعا ; لأن إسناد موت كل [ ص: 29 ] واحد منهما إلى الوقت الذي يمكن إضافة موت الآخر إليه ولا وجه لإثبات تاريخ بين المورثين من غير دليل . سبب الاستحقاق
وكذلك فيجعل كأنهما ماتا معا إذا عرفنا هذا فنقول أخوان لأب وأم أو لأب غرقا وترك كل واحد منهما ابنة فميراث كل واحد منهما لابنته بالفرض والرد إذا علم أن أحدهما مات أولا ولا يدري أيهما لتحقق التعارض بينهما