. ( قال ) ثم البيت إن استطاع أو من الغد أو من بعد الغد ، ولا يؤخره إلى ما بعد ذلك فيطوف به أسبوعا ، ويصلي ركعتين لما روي { يزور من يومه ذلك مكة فطاف بالبيت ، ثم عاد إلى منى ، وصلى الظهر بمنى } ، وفي بعض الروايات { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق أفاض إلى أنه أتى بمكة ليلا فطاف } ، ووجه التوفيق { أنه في أيام منى كان يأتي مكة بالليل مستترا فيطوف ، فمن رأى ذلك منه ظن أن طوافه ذلك للزيارة } فنقل كما وقع عنده ، وإنما طاف للزيارة قبل الظهر ، وطواف الزيارة ركن الحج ، وهو الحج الأكبر في تأويل قوله تعالى { وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر } ووقته أيام النحر فلا ينبغي أن يؤخره عن أيام النحر ، والأفضل أداؤه في أول أيام النحر كالتضحية لقوله صلى الله عليه وسلم { أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها ، ثم لم يذكر السعي } عقيب هذا الطواف ; لأنه قد سعى عقيب طواف التحية ، وليس عليه في الحج إلا سعي واحد فإن قيل : السعي واجب أو ركن وطواف التحية سنة فكيف يترتب ما هو واجب على ما هو سنة ؟ قلنا : نعم لكن الشرع جوز له أداء هذا الواجب عقيب طواف هو سنة للتيسير فإن الطواف الذي هو ركن لا يجوز قبل يوم النحر ، وفي يوم النحر على الحاج أعمال كثيرة ، ولو وجب عليه أداء السعي [ ص: 23 ] في هذا اليوم لحقته المشقة فللتيسير جوز له أداء السعي عقيب طواف التحية فلا يعيده يوم النحر ، وكذلك لا يرمل في طوافه يوم النحر ; لأن الرمل سنة أول طواف يأتي به في الحج فقد أتى به في طواف التحية فلا يعيده في طواف الزيارة لكنه يصلي ركعتين عقيب الطواف ; لأن ختم كل طواف يكون بركعتين واجبا كان الطواف أو نفلا ، ثم قد حل له النساء ; لأنه تم إحلاله ، ثم يرجع إلى منى فإذا كان الغد يوم النحر رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس يبدأ بالتي تلي المسجد فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم يأتي المقام الذي يقوم فيه الناس فيقوم فيه فيحمد الله جلت قدرته ، ويثني عليه ، ويهلل ، ويكبر ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو بحاجته ، ثم يأتي الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات كذلك ، ثم يقوم حيث يقوم الناس فيصنع في قيامه كما صنع في الأول ، ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات ، ويكبر مع كل حصاة ، ولا يقيم عندها .
هكذا رواه رضي الله عنه مفسرا فيما نقل من نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { جابر الصفا والمروة وبعرفات } ، وبجمع عند المقامين عند الجمرتين ، وهذا دليل على أنه إنما يقيم عند الجمرتين الأولى ، والوسطى ، ولا يقيم عند جمرة لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن : عند افتتاح الصلاة ، وعند القنوت في الوتر ، وفي العيدين ، وعند استلام الحجر ، وعلى العقبة ، والمراد من رفع اليدين الرفع للدعاء دل على أن الدعاء عند المقامين ، وينبغي للحاج أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات في دعائه في هذا الموقف قال النبي صلى الله عليه وسلم { } ، والحاصل أن كل رمي بعده رمي فحال الفراغ منه حال وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه ، وكل رمي ليس بعده رمي فبالفراغ منه قد فرغ من العبادة فلا يقيم بعده للدعاء ، ولم يذكر الكتاب أن الرمي ماشيا أفضل أم راكبا ، وحكي عن اللهم اغفر للحاج ، ولمن استغفر له الحاج إبراهيم الجراح قال دخلت على رحمه الله تعالى في مرضه الذي مات فيه ففتح عينيه وقال : الرمي راكبا أفضل أم ماشيا ؟ فقلت : ماشيا فقال : أخطأت فقلت : راكبا فقال : أخطأت ، ثم قال : كل رمي كان بعده وقوف فالرمي فيه ماشيا أفضل ، وما ليس بعده وقوف فالرمي راكبا أفضل ، فقمت من عنده فما انتهيت إلى باب الدار حتى سمعت الصراخ لموته فتعجبت من حرصه على العلم في مثل تلك الحالة . والذي رواه أبي يوسف رضي الله عنه { جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار كلها راكبا } إنما فعله ليكون أشهر للناس حتى يقتدوا به فيما يشاهدون منه ، ألا ترى [ ص: 24 ] أنه قال : { } لقوله تعالى { خذوا عني مناسككم فلا أدري لعلي لا أحج بعد هذا العام فإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث حين تزول الشمس كذلك ، ثم ينفر إن أحب من يومه فإن أقام إلى الغد ، وهو آخر أيام التشريق ، فعل كما فعل بالأمس فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } .
( قال ) وقد كان يكره له أن ينفر قبل أن يقدم ثقله لما روي عن رضي الله عنه أنه كان يمنع الناس منه ، ويؤدب عليه ، ولأنه شغل قلبه بهم إذ قدمهم قبله وربما يمنعه شغل القلب من إتمام سنة الرمي ، ولا يأمن أن يضيع شيء من أمتعتهم ، فلهذا كره له أن يقدم ثقله . عمر
( قال ) ثم الأبطح فينزل به ساعة ، وهذا اسم موضع { يأتي قد نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من منى إلى مكة يسمى المحصب والأبطح ، وكان رضي الله عنهما يقول : ليس النزول فيه بسنة ولكنه موضع نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس } اتفاقا ، والأصح عندنا أنه سنة ، وإنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا على ما روى أنه { بمنى إنا نازلون غدا بالخيف خيف بني كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم يريد به الإشارة إلى عهد المشركين في ذلك الموضع هجران بني هاشم } فعرفنا أنه نزوله إراءة للمشركين لطيف صنع الله تعالى به فيكون النزول فيه سنة بمنزلة الرمل في الطواف قال لأصحابه رضي الله عنهم