( قال ) وإذا فإن ثبت [ ص: 60 ] المزكون على التزكية وزعموا أنهم أحرار فلا ضمان عليهم ولا على الشهود أما على الشهود فلأنه لم يتبين كذبهم ولم تقبل شهادتهم إذ لا شهادة على المسلمين للعبيد والكفار ، وأما على المزكين فلأنهم اعتمدوا ما سمعوا من إسلامهم وحريتهم وإنما زكوهم بقول الناس فلم يتبين كذبهم فيما أخبروا به القاضي من قول الناس إنهم أحرار مسلمون فأما إذا رجعوا عن التزكية ، وقالوا : تعمدنا فعليهم ضمان الدية في قول شهد الشهود على رجل بالزنا وزكاهم المزكون وزعموا أنهم أحرار مسلمون فرجمه الإمام ثم تبين أنهم عبيد أو مجوس رحمه الله تعالى ، وقال أبي حنيفة أبو يوسف رحمهما الله تعالى : لا ضمان على المزكين ولكن الدية في بيت المال في الوجهين ; لأن المزكين ما أثبتوا سبب الإتلاف وهو الزنا وإنما أثنوا على الشهود خيرا ، فكانوا في المعنى كشهود الإحصان ، إلا أن أولئك أثبتوا خصالا محمودة في الزاني لا يقام الرجم عليه إلا بها وهؤلاء أثبتوا خصالا في الشاهد لا يقام الرجم إلا عندها ، فكما لا ضمان على شهود الإحصان إذا رجعوا فكذلك لا ضمان على المزكين ومحمد رحمه الله تعالى يقول : المزكون جعلوا ما ليس بموجب موجبا فكانوا بمنزلة من أثبت سبب الإتلاف ، وبيان ذلك أن الشهادة لا توجب شيئا بدون التزكية ، وسبب الإتلاف الشهادة ، وإنما كانت موجبة بالتزكية فكانت التزكية علة العلة وهي بمنزلة العلة في إضافة الحكم إليه ، بخلاف شهود الإحصان فإن الشهادة على الزنا بدون الإحصان موجب للعقوبة ، وشهود الإحصان ما جعلوا ما ليس بموجب موجبا وأما الشهادة لا توجب شيئا بدون التزكية فمن هذا الوجه تقع الفرقة بينهما ولهذا اشترط الذكورة في المزكين كشهود الزنا . وأبو حنيفة
ويثبت الإحصان بشهادة النساء مع الرجال وإن كان المزكون قالوا هم عدول فلا شيء عليهم بالاتفاق ; لأنهم صادقون في ذلك والعبد قد يكون عدلا ويكون القاضي جهل حين اكتفى منهم بهذا القدر فلهذا لا يضمن المزكون