الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) فإن سرق التمر من رءوس النخل في حائط محرز أو حنطة في سنبلها لم تحصد فلا قطع عليه لقوله صلى الله عليه وسلم { لا قطع في ثمر ولا كثر } ، ولأن الثمار ما دامت في رءوس الأشجار ، فإنه يتسارع إليها الفساد ، ألا ترى أنها لو تركت كذلك فسدت ، ولا يتم معنى الإحراز فيها ، ولا في الحنطة في سنبلها ، فإنها زرعت في ذلك الموضع لمقصود آخر سوى الإحراز ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم { فما آواه الجرين ففيه القطع } ، وفي هذا بيان أن الثمار ما لم تجذ والزرع ما لم يحصد لا يجب القطع بسرقته ، وكذلك إن كان سرق النخلة بأصولها لقوله صلى الله عليه وسلم { ، ولا كثر } والمراد صغار النخل ، فإذا لم يجب القطع في الصغار من الأشجار ، فكذلك في الكبار ، وهذا ; لأنه بالإنبات في موضع لا يقصد إحرازه ، فإن معنى الحرز لا يتم فيه عادة ، فإن إحراز الثمر في حظيرة عليها باب أو حصدت الحنطة وجعلت في حظيرة فسرق منها قطع للحديث ، ولأن الإحراز قد تم ، فإنه إنما جمعه صاحبه في هذا الموضع ليكون محرزا محفوظا .

وكذلك إن كانت في الصحراء وصاحبها يحفظها ; لأن الصحراء ليس يحرز بنفسه فيتم الإحراز بالحافظ ويستوي إن كان الحافظ منتبها أو نائما عندهما ; لأن حفظ المال في الصحراء كذلك يكون عادة والآخذ يسارق عين الحافظ ، وكذلك المسافر ينزل في الصحراء فيجمع متاعه ويبيت عليه فيسرق منه قطع ، ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى من قال في هذا اللفظ إشارة إلى أنه إنما يكون محرزا به في حال نومه إذا كان موضوعا بين يديه وإلا لا يكون محرزا به في حال نومه ; لأن النائم كالغائب لا يتأتى منه الحرز والأصح أنه يلزمه القطع على كل حال ; لأن المعتبر هو الإحراز المعتاد لا أقصى ما يتأتى والإحراز المعتاد يتأتى بهذا المقدار ، فإن الناس يعدون النائم عند متاعه حافظا له ، ألا ترى أن المودع والمستعير لا يضمن بمثله وهما يضمنان بالتضييع وما لا يكون محرزا يكون مضيعا

التالي السابق


الخدمات العلمية