( قال ) وإذا قطع الحاضر ، وهذا قول شهد شاهدان على رجلين أنهما سرقا من هذا الرجل ألف درهم وأحد الرجلين غائب رحمه الله تعالى الآخر ، وهو أبي حنيفة قولهما ، وفي قوله الأول لا يقطع ، ذكر القولين بعد هذا في الإقرار إذا لم يقطع في قول أقر أنه سرق مع فلان الغائب رحمه الله تعالى الأول ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويقطع المقر في قوله الآخر ، وهو زفر قولهما ، وقد بينا نظيره في الحدود إذا أقر أنه زنى بغائبة .
وجه قوله الأول أن الغائب لو حضر ربما يدعي شبهة يدرأ بها القطع عن نفسه وعن الحاضر ، فلو قطعنا الحاضر قطعناه مع الشبهة وذا لا يجوز كقصاص مشترك بين حاضر وغائب لا يكون للحاضر أن يستوفيه حتى يحضر الغائب .
وجه قوله الآخر أن السرقة ظهرت على الحاضر بالبينة أو بالإقرار فيستوفي الإمام حقا لله تعالى ، وهذا ; لأن السراق يحضرون وقل ما يحضرون بل في العادة يهربون وبعضهم يوجد وبعضهم لا يوجد ، فلو لم يقطع الحاضر أدى إلى سد باب هذا الحد وما من شبهة يدعيها الغائب إلا والحاضر يتمكن من أن يدعي ذلك ، وقد بينا أن بالشبهة التي يتوهم اعتراضها لا يمتنع الاستيفاء بخلاف القصاص فالشبهة هناك توهم عفو موجود من الغائب في الحال فإن جاء الغائب بعد ذلك لم يقطع بالشهادة الأولى حتى تعاد تلك البينة عليه أو غيرها فيقطع حينئذ ; لأن تلك البينة في حق الغائب قامت بغير محضر من الخصم ، فإن الحاضر لا ينتصب خصما عنه إما ; لأن النيابة في الخصومة في الحد لا تجري أو لأنه ليس من ضرورة ثبوت السرقة على الحاضر ثبوتها على الغائب ، فلهذا يشترط إعادة البينة على الغائب ليقطع