وهي تتنوع نوعين : أحدهما تمييز محض وهو القسمة في المكيلات والموزونات ; ولهذا ينفرد بعض الشركاء حتى أن المكيل والموزون من جنس واحد إذا كان مشتركا بين اثنين وأحدهما غائب كان للحاضر أن يتناول من ذلك من مقدار نصيبه وبعد ما اقتسما نصيب كل واحد منهما عين ما كان مملوكا له قبل القسمة ; ولهذا يبيعه مرابحة على نصف الثمن ونوع هو تمييز فيه معنى المبادلة كالقسمة فيما يتفاوت من الثياب والحيوانات فإنما يتميز عند اتحاد الجنس وتقارب المنفعة ; ولهذا يجبر القاضي عليها عند طلب بعض الشركاء وفيها معنى المبادلة على معنى أن ما يصيب كل واحد منهما مما يصفه كان مملوكا له ونصفه عوض عما أخذه صاحبه من نصيبه ; ولهذا لا ينفرد به أحد الشريكين ولا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة إذا عرفنا هذا فنقول : بدأ الكتاب بحديث وفي القسمة شيئان : المعادلة في المنفعة وتمييز نصيب أحدهما من نصيب الآخر يسير بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { جبريل على ستة وثلاثين سهما جمع ثمانية عشر للمسلمين ، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وثمانية عشر سهما فيها أرزاق أزواج رسول الله [ ص: 3 ] صلى الله عليه وسلم ونوائبه } واعلم أن أنه قسم خيبر كانت ستة حصون الشق والنطاة والكيبة والسلالم والغموض والوطيحة إلا أن الأموال والمزارع كانت في ثلاثة حصون منها : النسق والنطاة والكيبة وقد افتتح بعض الحصون منها عنوة وقهرا وبعضها صلحا على ما روي أن { كنانة بن أبي الحقيق مع قومه صالح على النزول ، وذلك معروف في المغازي فما افتتح منها كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا ; فإنهم إنما خرجوا ; لما وقع في قلوبهم من الرعب } وقد خص الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالنصرة بإلقاء الرعب في قلوب أعدائه { } وإلى ذلك أشار الله تعالى في قوله { قال : صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر : وما أفاء الله على رسوله منهم } . إلى قوله { : ولكن الله يسلط رسله على من يشاء : }
{ فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحصة مع الخمس في الشطر وقسم الشطر بين الغانمين } وقد فسر ذلك محمد بن إسحاق على ما ذكر بعد هذا عنهما { والكلبي خيبر على ثمانية عشر سهما جميعا وكانت الرجال ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس ، وكان على كل مائة رجل ، فكان رضي الله عنه على مائة وكان علي عبيد السها على مائة وكان عاصم بن عدي رضي الله عنه على مائة وكان القاسم في النسق والنطاة وكانت النسق الثلاثة عشر سهما والنطاة خمسة أسهم وكانت الكتيبة فيها خمس الله وطعام أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطاياه وكان أول سهم خرج من النسق سهم رضي الله عنه وفيه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم } . الحديث إلى آخره . فهذا الحديث يبين معنى الحديث الأول ففي الحديث الأول ذكر الشطرين وأن أصل القسمة كانت على ستة وثلاثين سهما وفي الحديث الآخر ذكر مقدار ما قسم بين الغانمين أنه قسم على ثمانية عشر سهما وفيه دليل على أن للإمام في المغانم قسمين على العرفاء وأصحاب الرايات وقسمة أخرى على الرءوس الذين هم تحت كل راية وإنما يفعل ذلك ; لأن اعتبار المعادلة بهذا الطريق أيسر ; فإنه لو قسم ابتداء على الرءوس ربما يتعذر عليه اعتبار المعادلة ، ثم { أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم نفسه سهما ولكن كان سهمه مع سهم ابن عاصم بن عدي رضي الله عنه } فقيل إنه تواضع بذلك وقيل إنما فعل ذلك ; لأنه ما كان يساوي اسمه اسم في المزاحمة عند خروج القرعة ; ولهذا خرج سهم عاصم بن عدي رضي الله عنه أولا ; لأن فيه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أولى مما يقوله بعض مشايخنا إن العرافة مذمومة في الجملة فيتحرز من ذلك فإن في الجهاد وقسمة الغنائم العرافة غير مذمومة .
( ألا ترى ) أنه [ ص: 4 ] اختار لذلك الكبار من الصحابة كعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم ، ثم بظاهر الحديث استدل وعبد الرحمن بن عوف أبو يوسف في أن ومحمد ; لأنه قال : وكانت الرجال ألفا وأربعمائة والخيل أربعمائة فرس فعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم وعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم ولكل مائة من الخيل سهمان ولكن سهم الفرس ضعف سهم الرجل يقول : المراد بالرجال الرجالة قال الله تعالى { أبو حنيفة : يأتوك رجالا وعلى كل ضامر } . والمراد بالخيل الفرسان يقال : غارت الخيل قال الله { : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } . أي بفرسانك ورجالتك فهذا يتبين أن الرجال كانوا ألفا وستمائة وأنه أعطى الفارس سهمين والراجل سهما .