الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أن بيتا في دار بين رجلين أراد أحدهما قسمته وامتنع الآخر وهو صغير لا ينتفع واحد منهما بنصيبه إذا قسم لم يقسمه القاضي بينهما ; لأن الطالب للقسمة بينهما متعنت فإن قبل القسمة يتمكن كل واحد منهما من الانتفاع بنصيبه وبالقسمة يفوت ذلك فالطالب [ ص: 13 ] منهما إنما يقصد التعنت والإضرار بشريكه فلا يجيبه القاضي إلى ذلك ، وكذلك لا يقسم الحائط والحمام بين رجلين ; لأن في قسمته ضررا والمقصود بالقسمة اتصال منفعة الملك إلى كل واحد من الشركاء وفي الحائط والحمام تفوت المنفعة بالقسمة ; لأن كل واحد منهما لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة كما كان ينتفع قبل القسمة فلا يقسمه القاضي بينهم ; لأنه لا يشتغل ; لما لا يفيده ولا بما فيه إضرار ولو اقتسموا بينهم بالتراضي لم يمنعهم من ذلك ; لأنهم لو أقدموا على إتلاف الملك لم يمنعهم من ذلك في الحكم ، فكذلك إذا تراضوا القسمة فيما بينهم فإن كانت دار بين رجلين ولأحدهما فيها بعض قليل لا ينتفع به إذا قسم فأراد صاحب الكثير القسمة قسمها بينهم ، وإن أبى ذلك صاحب القليل عندنا ( وقال ) ابن أبي ليلى رحمه الله لا يقسمها ، وكذلك إن كان سائر الشركاء لا ينتفعون بأنصبائهم إلا هذا الواحد الطالب للقسمة ; فإنه يقسمها بينهم ، وإن كان الطالب صاحب القليل لم يقسمها إذا كان هو لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله لا يقسمها عند إباء بعضهم إلا إذا كان كل واحد منهم ينتفع بنصيبه بعد القسمة ; لأن المقصود بالقسمة تحصيل المنفعة لا تفويتها والمعتبر في القسمة المعادلة بين الشركاء في المنفعة فإذا كان بعضهم لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة فهذه قسمة تقع على ضرر

والقاضي لا يجبر الشركاء على مثله كما لو كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة ولنا أن الطالب للقسمة يطلب الإنصاف من القاضي ولا يتعنت ; لأنه يطلب منه أن يخصه بالانتفاع بملكه ويمنع غيره من الانتفاع بملكه وهذا منه طلب للإنصاف فعلى القاضي أن يجيبه إلى ذلك بخلاف ما إذا كان الطالب للقسمة من لا ينتفع بنصيبه ; لأنه متعنت في طلب القسمة والقاضي يجيب المتعنت بالرد يوضحه أن بعد القسمة ، وإن تعذر على صاحب القليل الانتفاع بنصيبه فذلك لقلة نصيبه لا لمعنى من جهة صاحب الأكبر ، وذلك لا يعتبر في حق صاحب الكبير فيصير هذا في حقه وما إذا كان كل واحد منهما ينتفع بنصيبه بعد القسمة سواء والحاكم في المختصر ( قال : ) إذا كان الضرر على أحدهما دون الآخر قسمتها أيهما طلب القسمة وهذا غير صحيح والصحيح أنه إنما يقسم إذا طلب ذلك صاحب الكبير خاصة ومنهم من صحح ما ذكره الحاكم رحمه الله ، وقال صاحب القليل رضي بالضرر حين طلب القسمة وصاحب الكبير منتفع بالقسمة فيقسمه القاضي بينهم لهذا ولكن الأول أصح ; لأن رضاه بالتزام الضرر لا يلزم القاضي شيئا وإنما الملزم طلبه الإنصاف من القاضي واتصاله إلى منفعة ملكه ، وذلك لا يوجد عند طلب صاحب القليل [ ص: 14 ] ألا ترى أن كل واحد منهما إذا كان بحيث لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة وطلبا جميعا القسمة من القاضي لم يقسمها القاضي بينهما ، فكذلك إذا كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة والرجال والنساء والحر والمملوك وأهل الإسلام وأهل الذمة في القسمة سواء ; لأنها من حقوق الملك والمقصود التوصل بها إلى منفعة الملك وهم في ذلك سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية