الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كانت القرية والأرض بين قوم اقتسموا الأرض مساحة على أن من أصابه شجر أو بيوت في أرضه فهي عليه بقيمتها دراهم فهو جائز وهذا استحسان بمنزلة رجلين يقتسمان دارا على أن لكل واحد منهما ما أصابه من البناء بالقيمة فهو جائز ، وإن لم يسميا ذلك استحسانا وقد بيناه قال : ألا ترى أنه لو كانت دار بين رجلين فيها ساحة وبناء لهما ولآخر فاقتسماها على أن أخذ أحدهما الساحة وأخذ الآخر موضع البناء على أن البناء بينهم على حاله ، ثم أراد الذي أصابه الساحة أن يأخذ نصيبه من البناء لم يكن له ذلك ; لأن فيه ضررا على صاحبه ولكن له قيمة حقه من ذلك أجبره عليه فإذا كنت أجبره على أخذ القيمة بغير شرط فهي إذا كان بشرط أجوز ، وإن لم يسميا ذلك ومعنى هذا أن البناء وصف للساحة وتبع لها فإذا استويا في ملك البيع وتفرد أحدهما بملك الأصل كان لصاحب الأصل أن يتملك على شريكه من الوصف بالقيمة .

( ألا ترى ) أن صبغ الغير لو اتصل بثوب الغير كان لصاحب الثوب أن يتملك الصبغ على صاحبه باعتبار أنه وصف لملكه وهذا بخلاف ما إذا كان البناء كله لإنسان في ساحة الغير ; لأن هناك صاحب البناء يتمكن من رفع بنائه من غير إضرار بصاحب الساحة فلا يكون لصاحب الساحة حق تملك البناء عليه بغير رضاه وأما إذا كان البناء مشتركا فهو لا يتمكن من رفع نصيبه من البناء بدون الإضرار بصاحب الساحة ; لأنه ما لم يرفع جميع البناء لا يمكن قسمته بينهما ; فلهذا كان لصاحب الأصل أن يرفع الضرر عن نفسه ويتملك نصيبه عليه بضمان القيمة توضيحه أن البناء تبع من وجه حتى يدخل في [ ص: 33 ] بيع الأصل من غير ذكر كالصبغ في الثوب وهو أصل من وجه حتى يجوز بيعه على الانفراد فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بما هو أصل لا يكون لصاحب الأرض أن يتملك على صاحب البناء جميع البناء بغير رضاه ولشبهه بالبيع يكون له عليه أن يتملك نصيبه من البناء إذا كان مشتركا بينهما

وإن اشترطوا ذلك بدنانير فالدنانير كالدراهم في أنها لا تستحق إلا ثمنا في الذمة ، وكذلك إن اشترطوا مكيلا أو موزونا موصوفا في الذمة فذلك ثمن بمقابلة العين ، والبناء عين فاشتراط المكيل والموزون في الذمة بمقابلة البناء بمنزلة اشتراط الثمن فهو كاشتراط الدراهم والدنانير ، وإن شرطوا شيئا من ذلك بعينه أو من غير ذلك من العروض والحيوان فذلك باطل ; لأنه مبيع يرد عليه العقد مقصودا فجهالته عند العقد تكون مبطلة للعقد وهذا ; لأن الثمن معقود به .

( ألا ترى ) أن قيامه في ملك المشتري عند العقد ليس بشرط لصحة العقد ، فكذلك ترك تسمية المقدار فيه عند ابتداء القسمة لا يمنع جواز القسمة إذا كان معلوم المقدار عند تمام القسمة فأما العين يكون معقودا عليه ويشترط وجوده في ملك العاقد وقدرته على تسليمه عند العقد ، فكذلك يشترط أن يكون معلوما بالتسمية عند العقد أو بالإشارة إلى عينه وهذا ; لأنه إذا لم يكن معلوما فهو يكون مشتريا للعين بقيمته ، وذلك لا يجوز وفي الثمن هنا يقتسمان المشترك بعضه بالمساحة وبعضه بالقيمة ، وذلك جائز والفضة والذهب التبر والأواني المصوغة في هذا بمنزلة المكيل والموزون بعينه وهذا دليل على أنه يتعين التبر وأنه يستحق مبيعا وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الشركة والصرف .

التالي السابق


الخدمات العلمية