ويسجد على جبهته وأنفه واظب على هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه ، فإن سجد على الجبهة دون الأنف جاز عندنا وعند تمام السجود لا يجوز ، وإن سجد على الأنف دون الجبهة جاز عند الشافعي رحمه الله ويكره ولم يجز عند أبي حنيفة أبي يوسف - رحمة الله عليهما - وهو رواية ومحمد أسيد بن عمرو عن رحمه الله . أما أبي حنيفة استدل بحديث الشافعي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة من لم يمس أنفه الأرض في سجوده كما يمس جبهته ، فلا سجود له } ، والمراد بهذا عندنا نفي الكمال لا نفي الجواز .
واستدل أبو يوسف - رحمة الله عليهما - بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ومحمد السجود على الجبهة فريضة وعلى الأنف تطوع } فإذا ترك ما هو الفرض لا يجزئه ، ثم الأنف تبع للجبهة في السجود كما أن الأذن تبع للرأس في المسح ، ولو اكتفى بمسح الأذن عن مسح الرأس لا يجزئه فهذا مثله احتج بقول وأبو حنيفة رضي الله عنه : فإن ابن عمر زيد بن ركانة كان يصلي وعليه برنس فكان إذا سجد سقط على جبهته فناداه [ ص: 35 ] رضي الله عنهما إذا أمسست أنفك الأرض أجزأك ، ولأن المأمور به السجود على الوجه كما فسر الأعضاء السبعة في الحديث المعروف الوجه واليدان والركبتان والقدمان . ووسط الوجه الأنف فبالسجود عليه يكون ممتثلا للأمر ، وهو أحد أطراف الجبهة ، فإن عظم الجبهة مثلث والسجود على أحد أطرافه كالسجود على الطرف الآخر ، ولأن الأنف مسجد حتى إذا كان بجبهته عذر يلزمه السجود على الأنف وما ليس بمسجد لا يصير مسجدا بالعذر في المسجد كالخد والذقن ، وإذا ثبت أنه مسجد فبالسجود عليه يحصل امتثال الأمر وقال الله - تعالى - : { ابن عمر يخرون للأذقان سجدا } والمراد ما يقرب من الذقن ، والأنف أقرب إلى الذقن من الجبهة ، فهو أولى بأن يكون مسجدا ، والله أعلم .