وإن لم يجز على الآمر استحسانا ، وفي القياس يجوز ; لأن الطعام اسم لما يطعم ، والفاكهة واللحم مطعوم ، إلا أن جوازه على طريقة الناس إنما يكون إذا فوض الأمر لرأيه على العموم في شراء الطعام ، فأما إذا لم يفعل ذلك فلا يصح التوكيل ; لأن المطعوم أجناس مختلفة ، وبتسمية الثمن لا يصير الجنس معلوما ، فينبغي أن لا يصح التوكيل ، ولكنه استحسن فقال : التوكيل صحيح ، وإنما ينصرف إلى الحنطة ودقيقها ; لأنه ذكر الطعام عند ذكر الشراء ، وذلك لا يتناول إلا الحنطة ودقيقها ، ألا ترى أن سوق الطعام ما يباع فيه الحنطة ودقيقها ، وبائع الطعام في الناس من يبيع الحنطة ودقيقها دون من يبيع الفواكه ، فصار التقييد الثابت بالعرف كالثابت بالنص ، ثم إن قلت الدراهم فله أن يشتري بها خبزا ، وإن كثرت فليس له أن يشتري بها الخبز ; لأن ادخاره غير ممكن ، إنما يمكن الادخار في الحنطة فعند كثرة الدراهم يعلم أنه لم يرد الخبز ، إلا أن يكون الرجل قد اتخذ وليمة ، فحينئذ يعلم أن مراده الخبز ، وإن كثرت الدراهم ، وجعل الدقيق في إحدى الروايتين بمنزلة الخبز ، وقال : إنما ينصرف القليل من الدراهم إليه ; لأنه قل ما يدخر عادة ، وفي الرواية الأخرى جعل الدقيق كالحنطة ; لأن الكثير من الدراهم ينصرف إليه ; لأنه قد يدخر الدقيق كما تدخر الحنطة ، وإذا دفع إليه دراهم ، وأمره بأن يشتري له بها طعاما ، فاشترى بها لحما وفاكهة ، لم يجز على الآمر ; لأنه لم يبين له القدر ، وجهالة القدر في المكيلات ، والموزونات ، كجهالة الجنس من حيث إن الوكيل لا يقدر على تحصيل مقصود الآمر بما سمى له . لم يدفع إليه شيئا وقال : اشتر لي حنطة فاشتراها