وفي روايتان عن التسليم رحمه الله : إحداهما : أنه يسلم بعد الإمام ليكون تحلله بعد تحلل الإمام . والأخرى : أنه يسلم مع الإمام كسائر الأفعال ، وإذا سلم الإمام ففي الفجر والعصر يقعد في مكانه ليشتغل بالدعاء ; لأنه لا تطوع بعدهما ولكنه ينبغي أن يستقبل القوم بوجهه ولا يجلس كما هو مستقبل القبلة ، وإن كان خير المجالس ما استقبلت به القبلة للأثر المروي : { أبي حنيفة جلوس الإمام في مصلاه بعد الفراغ مستقبل القبلة بدعة } { وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر استقبل أصحابه بوجهه وقال هل رأى أحد منكم رؤيا فيه بشرى بفتح مكة } ، ولأنه يفتتن الداخل بجلوسه مستقبل القبلة ; لأنه يظنه في الصلاة فيقتدي به ، وإنما يستقبلهم بوجهه إذا لم يكن بحذائه مسبوق يصلي ، فإن كان فلينحرف يمنة أو يسرة ; لأن استقبال المصلي بوجهه مكروه ، لحديث رضي الله تعالى عنه فإنه رأى رجلا يصلي إلى وجه رجل فعلاهما بالدرة وقال للمصلي أتستقبل الصورة ؟ وقال للآخر أتستقبل المصلي بوجهك ؟ عمر
فأما في صلاة الظهر والعشاء والمغرب يكره له المكث قاعدا ; لأنه مندوب إلى التنفل بعد هذه الصلوات ، والسنن لجبر نقصان ما يمكن في الفرائض فيشتغل بها وكراهية القعود في مكانه مروي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم ولا يشتغل بالتطوع في مكان الفريضة للحديث المروي : { وابن عمر } ، ولأنه يفتن به الداخل أي يظنه في الفريضة فيقتدي به ولكنه يتحول إلى مكان آخر للتطوع استكثارا من شهوده ، فإن مكان المصلي يشهد له يوم القيامة والأولى أن يتقدم المقتدي ويتأخر الإمام ليكون حالهما في التطوع [ ص: 39 ] خلاف حالهما في الفريضة ، فإن كان الإمام مع القوم في المسجد ، فإني أحب لهم أن يقوموا في الصف إذا قال المؤذن حي على الفلاح ، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام والقوم جميعا في قول أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر بسبحته أي بنافلته أبي حنيفة رحمهما الله ، وإن أخروا التكبير حتى يفرغ المؤذن من الإقامة جاز وقال ومحمد رحمه الله لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة وقال أبو يوسف إذا قال المؤذن مرة قد قامت الصلاة قاموا في الصف ، وإذا قال ثانيا كبروا وقال : لأن الإقامة تباين الأذان بهاتين الكلمتين فتقام الصلاة عندها زفر ، احتج بحديث وأبو يوسف رضي الله تعالى عنه فإنه بعد فراغ المؤذن من الإقامة كان يقوم في المحراب ويبعث رجالا يمنة ويسرة ليسووا الصفوف فإذا نادوا استوت كبر ولأنه لو كبر الإمام قبل فراغ المؤذن من الإقامة فات المؤذن تكبيرة الافتتاح فيؤدي إلى تقليل رغائب الناس في هذه الأمانة ، عمر وأبو حنيفة رحمهما الله استدلا بحديث ومحمد حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { بلال مهما سبقتني بالتكبير ، فلا تسبقني بالتأمين } .
فدل على أنه كان يكبر بعد فراغه من الإقامة ولأن المؤذن بقوله قد قامت الصلاة يخبر بأن الصلاة قد أقيمت ، وهو أمين فإذا لم يكبر كان كاذبا في هذا الإخبار فينبغي أن يحققوا خبره بفعلهم لتحقق أمانته وهذا إذا كان المؤذن غير الإمام ، فإن كان هو الإمام لم يقوموا حتى يفرغ من الإقامة ; لأنهم تبع للإمام وإمامهم الآن قائم للإقامة لا للصلاة وكذلك بعد فراغه من الإقامة ما لم يدخل المسجد لا يقومون فإذا اختلط بالصفوف قام كل صف جاوزهم حتى ينتهي إلى المحراب وكذلك إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد يكره لهم أن يقوموا في الصف حتى يدخل الإمام لقوله عليه الصلاة والسلام : { } ، وإن لا تقوموا في الصف حتى تروني خرجت رضي الله تعالى عنه دخل المسجد فرأى الناس قياما ينتظرونه فقال مالي أراكم سامدين أي واقفين متحيرين . عليا