[ ص: 56 ] قال - رحمه الله - : وإذا فقد انتقضت المعاملة بينهما في القياس ، وكان البسر بين ورثة صاحب الأرض ، وبين العامل نصفين ; لأن صاحب الأرض استأجر العامل ببعض الخارج ، ولو استأجره بدراهم انتقضت الإجارة بموت أحدهما أيهما مات ، فكذلك إذا استأجره ببعض الخارج ثم انتقاضها بموت أحدهما بمنزلة اتفاقهما على نقضها في حياتهما ، ولو نقضاه ، والخارج بسر كان بينهما نصفين ، ولكنه استحسن فقال : للعامل أن يقوم عليه ، كما كان يقوم حتى يدرك الثمر ، وإن كره ذلك الورثة ; لأن في انتقاض العقد بموت رب الأرض إضرارا بالعامل ، وإبطالا لما كان مستحقا له بعقد المعاملة ، وهو ترك الثمار في الأشجار إلى وقت الإدراك ، وإن انتقض العقد يكلف الجداد قبل الإدراك ، وفيه ضرر عليه ، وكما يجوز نقض الإجارة لدفع الضرر يجوز إبقاؤها لدفع الضرر ، وكما يجوز أن ينعقد العقد ابتداء لدفع الضرر يجوز إبقاؤه لدفع الضرر بطريق الأولى ، وإن قال العامل : أنا آخذ نصف البسر له ذلك ; لأن إبقاء العقد لدفع الضرر عنه ، فإذا رضي بالتزام الضرر انتقض العقد بموت رب الأرض إلا أنه لا يملك إلحاق الضرر بورثة رب الأرض ، فيثبت الخيار للورثة فإن شاءوا صرموا البسر ، فقسموه نصفين ، وإن شاءوا أعطوه نصف قيمة البسر ، وصار البسر كله لهم وإن شاءوا أنفقوا على البسر حتى يبلغ ، ويرجعوا بنصف نفقتهم في حصة العامل من الثمر ، لتحقق المساواة بينهما في ملك البسر ، واختصاص الورثة بملك النخل والأرض . واتصال الثمر بالنخل كاتصال النخل بالأرض ، واتصال البناء بالأرض ، وقد بينا أن هناك عقد الشركة في النخل والبناء يكون الخيار لصاحب الأرض بين هذه الأشياء الثلاثة ، فهذا مثله ، ولو كان مات العامل فلورثته أن يقوموا عليه ، وإن كرهه صاحب الأرض ; لأنهم قائمون مقامه ، وفي قيامهم على النخل تحصيل مقصود رب النخل ، وتوفير حقهم عليهم بترك نصيب مورثهم من الثمر في النخل إلى وقت الإدراك ، كما صار مستحقا له ، فلا يكون لرب النخل أن يأبى ذلك عليهم ، وإن قالت الورثة : نحن نصرمه بسرا كان لصاحب الأرض من الخيار مثل ما وصفنا لورثته في الوجه الأول ، ولو ماتا جميعا كان الخيار في القيام عليه أو تركه إلى [ ص: 57 ] ورثة العامل ; لأنهم يقومون مقام العامل ، وقد كان له في حياته هذا الخيار بعد موت رب الأرض ، فكذلك يكون لورثته بعد موته ، وليس هذا من باب توريث الخيار بل من باب خلافة الوارث المورث فيما هو حق مالي مستحق له ، وهو ترك الثمار على النخيل إلى وقت الإدراك ، فإن أبوا أن يقوموا عليه كان الخيار إلى ورثة صاحب الأرض على ما وصفنا في الوجه الأول ، ولو لم يمت واحد منهما ، ولكن انقضت مدة المعاملة والبسر أخضر ، فهذا والأول سواء ، والخيار فيه إلى العامل ، فإن شاء عمل على ما كان يعمل حتى يبلغ الثمر ، ويكون بينهما نصفين فإن في الأمر بالجذاذ قبل الإدراك إضرارا بهما ، والضرر مدفوع ، وقد تقدم نظيره في الزرع إلا أن هناك العامل إذا اختار الترك فعليه نصف أجر مثل الأرض ; لأن استئجار الأرض صحيح ، فينعقد بينهما عقد الإجارة على نصف الأرض إلى وقت الإدراك ، وهنا لا أجر على العامل ; لأن استئجار النخيل لترك الثمار عليها إلى وقت الإدراك باطل . دفع إلى رجل نخلا له معاملة على أن يقوم عليه ، ويسقيه ، ويلقحه فما أخرج الله - تعالى - في شيء منه فهو بينهما نصفان ، فقام عليه ، ولقحه حتى إذا صار بسرا أخضر مات صاحب الأرض
( ألا ترى ) أن من اشترى زرعا في أرض ثم استأجر الأرض مدة معلومة جاز ، ولو استأجرها إلى وقت الإدراك وجب أجر المثل ، ولو اشترى ثمارا على رءوس الأشجار ثم استأجر الأشجار إلى وقت الإدراك لا يجب عليه أجر ، وإذا ظهر الفرق ابتنى على الفرق الآخر ، وهو أن هناك العمل عليهما بحسب ملكهما في الزرع ; لأن رب الأرض لما استوجب الأجر على العامل لا يستوجب عليه العمل في نصيبه بعد انتهاء المدة ، وهنا العمل على العامل في الكل ; لأنه لا يستوجب رب النخيل عليه أجرا بعد انقضاء المدة ، كما كان لا يستوجب عليه ذلك قبل انقضاء المدة ، فيكون العمل كله على العامل إلى وقت الإدراك ، كما قبل انقضاء المدة ، وإن أبى ذلك العامل خير رب النخيل بين الوجوه الثلاثة ، كما بينا ، ولو لم ينقض المعاملة ، ولكنه لحق رب النخل دين فادح لا وفاء عنده إلا ببيع النخل ، وفي النخل بسر أو طلع ، ولم يجبر على بيع النخل ، ويخرج من السجن حتى يبلغ الثمر ، وتنقضي المعاملة ثم يعاد في السجن حتى يقضي الدين ; لما بينا أن في البيع قبل الإدراك ضررا بالعامل في إبطال حقه ، وفي الترك إضرار بالغرماء في تأخير حقهم ، وبمقابلة هذا الضرر منفعة لهم ، وهو إدراك نصيب غريمهم من الثمر ; ليباع في دينهم فتكون مراعاة هذا الجانب أولى ، ولو مات أحدهما أو انقضت المدة أو لحق صاحب الأرض دين فادح ، وقد سقى العامل النخل ، وقام عليه ، وحفظه إلا أنه لم يخرج شيئا انقضت المعاملة ، ولم يكن له من منفعته شيء على الذي دفع إليه معاملة ; لأن المعاملة شركة في الخارج فإذا لم يحصل الخارج بعد لم تنعقد الشركة [ ص: 58 ] بينهما في شيء فاعتراض هذه العوارض قبل انعقاد الشركة ، كاعتراضها في المزارعة قبل إلقاء البذر في الأرض ، وقد بينا أن هناك العقد ينتقض ، ولا شيء للعامل على رب الأرض ; لأن تقوم منافعه بالمسمى ، ولم يحصل شيء منه ، فهذا مثله ، ولو كان الطلع قد خرج ، وهو اسم لأول ما يبدو مما هو أصل التمر من النخل أو صار بسرا ثم استحقت الأرض كان النخل وما فيه للمستحق ; لأن النخل تبع للأرض كالبناء ، وكما أن باستحقاق الأرض يستحق البناء ، فكذلك يستحق النخل ، والتمر زيادة متولدة من النخل ، والاستحقاق بحجة البينة يثبت في الزيادة المتصلة والمنفصلة جميعا إذا كانت متولدة ثم يرجع العامل على الذي دفع إليه النخل معاملة بأجر مثله فيما عمل ; لأنه كان استأجره بنصف الخارج ، وقد حصل الخارج ثم لم يسلم له باستحقاق الأرض ، فيفسد العقد ، ويبقى عمله مستوفى بعمل فاسد فيستوجب أجر المثل ، كما لو استأجره للعمل بشيء بعينه ، فاستحق بعد ما أقام العمل