( قال رحمه الله ) : وإذا فإن أسلم فهو على ما اشترطا ، وإن قتل على ردته فالخارج للعامل وعليه ضمان البذر ونقصان الأرض للدافع في قياس قول دفع المرتد أرضه وبذره إلى رجل مزارعة بالنصف ، فعمل على ذلك وخرج الزرع : رحمه الله على قول من أجاز [ ص: 119 ] المزارعة ، أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج ، وعلى قولهما هذه المزارعة صحيحة والخارج بينهما على الشرط ، وهو بناء على اختلافهم في تصرفات المرتد . عندهما تنفذ تصرفاته كما تنفذ من المسلم ، وعند أبي حنيفة يوقف لحق ورثته ، فإن أسلم نفذ عقد المزارعة بينهما ، فكان الخارج على الشرط ، وإن قتل على ردته بطل العقد وبطل أيضا إذنه للعامل في إلقاء البذر في الأرض ; لأن الحق في ماله لورثته ولم يوجد منهم الرضا بذلك فيصير العامل بمنزلة الغاصب للأرض والبذر ، فيكون عليه ضمان البذر ونقصان الأرض ، أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج ، والخارج كله له ; لأنه ملك البذر بالضمان . وإن أبي حنيفة فإن كان في الأرض نقصان غرم العامل نقصان الأرض ; لأن إجارة الأرض بطلت حين قتل على ردته . وكذلك الإذن الثابت في ضمنه ، فيكون صاحب الأرض كالغاصب للأرض ، والزرع كله له . وإن لم يكن في الأرض نقصان فالقياس أن يكون الخارج له ولا شيء عليه ; لأنه بمنزلة الغاصب ، والغاصب للأرض لا يضمن شيئا إلا إذا لم يتمكن فيها نقصان وفي الاستحسان يكون الخارج على الشرط بين العامل وورثة المرتد ; لأن إبطال عقده كان لحق ورثته في ماله ، والنظر للورثة هنا في تنفيذ العقد ; لأنه إذا نفذ العقد سلم لهم نصف الخارج ، وإذا بطل العقد لم يكن لهم شيء فنفذ عقده استحسانا بخلاف الأول ، فهناك لو نفذ العقد لم يجب لهم نقصان الأرض ، وربما كان نقصان الأرض أنفع لهم من نصف الخارج ، وهو نظير العبد المحجور عليه إذا أجر نفسه للعمل ، فإن هلك في العمل كان المستأجر ضامنا ، ولا أجر عليه ، وإن سلم وجب الأجر استحسانا ; لأن ذلك أنفع للمولى . وهذا القياس والاستحسان على قول كان البذر على العامل ، وقتل المرتد على ردته : - رحمه الله - وأما عندهما فالمزارعة صحيحة إن كان المرتد هو المزارع والبذر منه - فالخارج له ولا شيء لرب الأرض من نقصان الأرض والبذر وغيره إذا قتل المرتد في قول أبي حنيفة - رحمه الله - ; لأن رب الأرض سلطه على عمل الزراعة ، وهو تسليط صحيح ، وشرط لنفسه عليه عوضا بمقابلته ، وقد بطل التزامه للعوض حين قتل على ردته لحق ورثته ، فلهذا كان الخارج لورثة المرتد ; لأنه نماء بذر المرتد ، ولا شيء عليهم لرب الأرض . وإن كان البذر من قبل الدافع فالخارج على الشرط في قولهم جميعا ; لأن صاحب الأرض مستأجر للمرتد بنصف الخارج ، وحق ورثته لا يتعلق بمنافعه . أبي حنيفة
( ألا ترى ) أنه لو أعان غيره لم يكن لورثته عليه سبيل لأن المنفعة للورثة في تصحيح العقد هنا فإنه لو لم تصح إجارته نفسه لم يكن لورثته من الخارج شيء ؟ والحجر بسبب الردة لا يكون فوق [ ص: 120 ] الحجر بسبب الرق . ولو كانا جميعا مرتدين والبذر من الدافع فالخارج للعامل ، وعليه غرم البذر ونقصان الأرض ; لأن العامل صار كالغاصب للأرض والبذر حين لم يصح أمر الدافع إياه بالزراعة فيكون الخارج له وعليه غرم البذر ونقصان الأرض لورثة الدافع . ولو كان الخارج بينهما على الشرط كما لو كان مسلما عند العقد ، وهذا لأن العامل أجير له فإسلام من استأجره يكفي لفساد العقد ، سواء أسلم هو أو لم يسلم . وإن كان البذر من العامل وقد قتل على الردة - كان الخارج له وعليه نقصان الأرض ; لأن إذن الدافع له في عمل الزراعة غير صحيح في حق ورثته ، فيغرم لهم نقصان الأرض ، وإن لم يكن فيها نقصان فلا شيء لورثة رب الأرض ; لأن استئجار العامل الأرض بنصف الخارج من بذره باطل لحق ورثته ، وكذلك إذا أسلما أو أسلم صاحب البذر ، فهو بمنزلة ما لو كان مسلما في الابتداء . وإن أسلما أو أسلم المزارع وقتل الآخر على الردة ضمن المزارع نقصان الأرض لورثة المقتول على الردة ; لأن أمره إياه بالمزارعة غير صحيح في حق الورثة ، وإن لم ينقصها شيئا فالقياس فيه أن الخارج للمزارع ، ولا شيء لرب الأرض ولا لورثته لبطلان العقد حين قتل رب الأرض على ردته . وفي الاستحسان الخارج بينهما على الشرط لأن معنى النظر بورثة المقتول في تنفيذ العقد هنا كما بينا وعند أسلم رب الأرض أبي يوسف الخارج بينهما على الشرط إن قتلا أو أسلما أو لحقا بدار الحرب أو ماتا ، وكذلك قول ومحمد - رحمه الله - في مزارعة المرتدة ومعاملتها ; لأن تصرفها بعد الردة ينفذ كما ينفذ من المسلمة بخلاف المرتد . أبي حنيفة