باب النكاح والصلح من الجناية والخلع والعتق والمكاتبة في المزارعة والمعاملة . [ قال - رحمه الله - : ] وإذا فالنكاح جائز والمزارعة فاسدة ; لاشتراط أحد العقدين [ ص: 145 ] في الأجر والمزارعة كالبيع تبطل بالشروط الفاسدة ، والنكاح لا يبطل . هكذا قال تزوج الرجل امرأة بمزارعة أرضه هذه السنة على أن يزرعها ببذرها وعملها فما خرج فهو بينهما نصفان - : النكاح يهدم الشرط ، والشرط يهدم البيع . وعلى قول إبراهيم : التسمية صحيحة ، وصداقها أجر مثل نصف الأرض . وعلى قول أبي يوسف - رحمه الله - : التسمية فاسدة ، ولها مهر مثلها إلا أن يجاوز ذلك بأجر مثل جميع الأرض ، فحينئذ لها أجر مثل جميع الأرض ; لأن التزوج بذل منفعة الأرض بمقابلة نصف الخارج ، وبمقابلة نصفها فإن المشروط لها على الزوج ملك النكاح ونصف الخارج ; لأن البذر من قبلها ، فإنما تتوزع منفعة الأرض عليهما باعتبار القيمة - كما هو قضية المقابلة - ونصف الخارج مجهول أصلا وجنسا وقدرا ; فكان ما يقابل البضع من منفعة الأرض مجهولا أيضا جهالة التسمية . محمد
ومثل هذه الجهالة تمنع صحة التسمية ; فيكون لها مهر مثلها ، كما لو تزوجها بثوب إلا أن يتيقن بوجود الرضا منها ، يكون صداقها منفعة جميع الأرض ; لأنها لما رضيت به بمقابلة سنين كانت بمقابلة أحدهما أرضى ; فلهذا لا يجاوز بالصداق أجر مثل جميع الأرض . يقول : الانقسام بين البضع ونصف الخارج باعتبار التسمية لا باعتبار القيمة ; فيتوزع نصفين - كما هو قضية المقاسمة بين المجهول والمعلوم - بمنزلة ما لو وأبو يوسف ، كان لفلان نصف الثلث ، فهنا أيضا يكون الصداق منفعة نصف الأرض ، والمنفعة مال متقوم في حكم الصداق ، فتصح التسمية ، ويلزم تسليم منفعة نصف الأرض إليها ، وقد عجز عن ذلك لفساد المزارعة ; فيكون لها أجر مثل نصف الأرض . فإن طلقها قبل الدخول بها ، كان لها - في قول أوصى بثلث ماله لفلان وللمساكين - رحمه الله - نصف المسمى ، وهو ربع أجر مثل الأرض . وفي قول أبي يوسف - رحمه الله - : لها المنفعة لفساد التسمية . محمد
وإن زرعت المرأة زرعا فأخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج ، فجميع الخارج للمرأة ; لأنه نماء بذرها ، وعليها - في قياس قول - نصف أجر مثل الأرض ، ولا صداق لها على الزوج ; لأنها استوفت منفعة جميع الأرض ، ونصف ذلك صداقها ، والنصف الآخر استوفته بحكم مزارعة فاسدة ; فعليها أجر مثل نصف الأرض . وعند أبي يوسف - رحمه الله - عليها أجر مثل جميع الأرض ; فيتقاصان ويترادان فضلا إن كان . وإن محمد فالنكاح صحيح والمزارعة فاسدة ، وللمرأة مهر مثلها بالغا ما بلغ عندهم جميعا ; لأن الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة البضع وبمقابلة العمل ، والخارج مجهول الجنس والقدر ، ووجود أصله على خطر ; فلم يصح تسميته صداقا ، فكان لها مهر مثلها بالغا ما بلغ ، وهو الأصل في هذا الجنس ، أنه متى كان المشروط بمقابلة البضع بعض [ ص: 146 ] الخارج فالتسمية فاسدة عندهم جميعا ، ومتى كان المشروط منفعة الأرض أو منفعة العامل بمقابلة البضع ففي صحة التسمية اختلاف - كما بينا - حتى لو كان البذر من قبل الزوج فتزوجها على أن دفع أرضا وبذرا مزارعة بالنصف - والمسألة بحالها - فللمرأة مهر المثل بالاتفاق ; لأن الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة بضعها ومنفعة الأرض . تزوجها على أن يأخذ أرضها ليزرعها ببذره وعمله بالنصف -
ولو فالمسألة على الاختلاف ; لأنها شرطت عمل الزوج بمقابلة بضعها ونصف الخارج ; فيكون الصداق نصف عمل الزوج في قول تزوجها على أن يأخذ أرضها وبذرا معها مزارعة بالنصف - كما بينا . ولو أبي يوسف فلها مهر مثلها ; لأن الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة بضعها وعملها . ولو تزوجها على أن يدفع إليها نخلا معاملة بالنصف - فالمسألة على الخلاف ; لأن الزوج التزم العمل بمقابلة بضعها ونصف الخارج . تزوجها على أن دفعت إليه نخلا معاملة بالنصف -
فهذه ست مسائل في النكاح ، وست أخرى في الخلع على هذه الصورة . فالمرأة في الخلع بمنزلة الزوج في النكاح ; لأن بذل الخلع عليها له ، ففي كل موضع ذكرنا في النكاح أنه يكون لها صداق مثلها ففي الخلع يجب عليها رد المقبوض ; لأن البضع لا يتقوم عند خروجه من ملك الزوج ، وإنما يقوم باعتبار رد المقبوض . وكذلك هذه المسائل الست في الصلح من جناية العهد ، إلا أن في كل موضع كان الواجب في النكاح صداق مثلها - ففي الصلح من دم العمد الواجب الدية ; لأن بذل النفس هو الدية عند فساد التسمية في الصلح بمنزلة مهر المثل في النكاح . وأما كل جناية ليس فيها قصاص أو جناية خطأ وقعت على الصلح عنها عقدة مزارعة أو معاملة على ما وصفنا - فإن العقد في جميع ذلك فاسد بالاتفاق ، وأرش الجناية واجب ; لأن هذا صلح عن مال على مال فيكون بمنزلة البيع يبطل بالشرط الفاسد كما تبطل المزارعة ، فاشتراط كل واحد من العقدين في الآخر يفسد كل واحد منهما . فأما العتق على شرط المزارعة في جميع هذه الوجوه - فعلى العبد فيه قيمة نفسه بالغا ما بلغت ; لأن المولى إنما يزيل عن ملكه في العتق مالا متقوما ، فعند فساد التسمية يكون رجوعه بقيمة العبد ، كما لو أعتق عبده على خمر .
ولا يدخل هنا الخلاف بين أبي يوسف - رحمهما الله - على قياس جعل العتق إذا كان شيئا بعينه فاستحق أو هلك قبل القبض ; لأن هناك التسمية كانت صحيحة وهنا التسمية فاسدة فيكون هذا نظير العتق على الخمر . وأما الكتابة على نحو ذلك فالكتابة فاسدة مع المزارعة والمعاملة ; لأن الكتابة لا تصح إلا بتسمية البدل ، وهو عقد محتمل للفسخ بمنزلة البيع ; فاشتراط كل واحد من العقدين في الآخر يفسدهما جميعا . فإن عملها المكاتب عتق إن خرج [ ص: 147 ] شيء أو لم يخرج إذا كان محله محل آخر بأن كان المولى صاحب النخل أو صاحب الأرض والبذر ; لأنه أوفى العمل المشروط عليه بمقابلة رقبته ، ومع فساد التسمية يترك العتق بإيفاء المشروط ، كما لو كاتبه على خمر فأدى الخمر . ثم للمكاتب على مولاه أجر مثله ، وللمولى عليه رقبته ، فإن كانت قيمة رقبته أكثر من أجر المثل فعليه أن يؤدي الفضل ، وإن كان أجر مثله أكثر من قيمة رقبته - لم يكن على مولاه شيء ; لأنه نال العتق بمقابلة ما أوفى من العمل فلا يتمكن استرداد شيء منه ، واسترداد بدله كاسترداده . ومحمد
ثم في الكتابة الفاسدة المولى أحق بمنافعه فلا يتقوم عليه منافعه إلا بقدر ما يحتاج إليه المكاتب ، وذلك مقدار قيمة رقبته وإذا كان محل المكاتب محل المستأجر بأن كان البذر من قبل المكاتب لم يعتق وإن زرع الأرض وحصل الخارج ; لأن الجعل هنا بعض الخارج وهو مجهول اللون والجنس والقدر ، ومثل هذه الجهالة تمنع العتق وإن أدى ، كما لو كاتبه على ثوب ، ثم الخارج كله في يد العبد هنا إلى أن يرده المولى رقيقا ، وإذا رده المولى رقيقا كان الخارج للمولى باعتبار أنه كسب عبده لا باعتبار أنه مشروط في الكتابة ، فلهذا لا يعتق العبد به . والله أعلم .