وعن رضي الله عنه قال أسفل النهر آمر على أهل أعلاه حتى يرووا . ابن مسعود
وفيه دليل أنه ; لأن حقهم جميعا ثابت فلا يكون لبعضهم أن يمنع حق الباقين ويختص بذلك . ليس لأهل الأعلى أن يسكروا النهر ويحبسوا الماء عن أهل الأسفل
وفيه دليل على أنه إذا ، فإنه يبدأ بأهل الأسفل حتى يرووا ، ثم بعد ذلك لأهل الأعلى أن يسكروا ليرتفع الماء إلى أراضيهم ، وهذا ; لأن في السكر إحداث شيء في وسط النهر المشترك ، ولا يجوز ذلك في حق جميع الشركاء ، وحق أهل الأسفل ثابت ما لم يرووا ، فكان لهم أن يمنعوا أهل الأعلى من السكر ، ولهذا سماهم آمرا ; لأن لهم أن يمنعوا أهل الأعلى من السكر ، وعليهم طاعتهم في ذلك ، ومن تلزمك طاعته فهو أميرك . كان الماء في النهر حيث لا يجري في أرض كل واحد منهم إلا بالسكر
بيانه في قوله عليه الصلاة والسلام { صاحب الدابة القطوف أمير على الراكب } ; لأنه يأمرهم بانتظاره ، وعليهم طاعته بحق الصحبة في السفر ، وفيه حكاية رحمه الله حين ركب مع الخليفة يوما فتقدمه الخليفة لجودة دابته فناداه أيها القاضي الحق بي فقال أبي يوسف : إن دابتك إذا حركت طارت ، وإن دابتي إذا حركت قطفت ، وإذا تركت وقفت فانتظرني فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال { أبو يوسف صاحب الدابة القطوف أمير على الراكب } فأمر بأن يحمل رحمه الله على جنبة له وقال : أحمل إياك على هذا أهون من تأميرك علي . أبو يوسف
وعن يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم { محمد بن إسحاق قال : إذا بلغ الوادي الكعبين لم يكن لأهل الأعلى أن يحبسوه عن الأسفل } ، والمراد به الماء في الوادي والوادي اسم لموضع في أسفل الجبل ينحدر الماء من كل جانب من الجبل فيجتمع [ ص: 164 ] فيه ، ويجري إلى الموضع الذي ينتفع به الناس فقوله : إذا بلغ الوادي الكعبين ليس بتقدير لازم بالكعبين بل الإشارة إلى كثرة الماء ; لأن في موضع الوادي سعة ، فإذا بلغ الماء فيه هذا المقدار فهو كثير يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع به بقدر حاجته عادة فإذا أراد أهل الأعلى أن يحبسوه عن أهل الأسفل فإنما قصدوا بذلك الإضرار بأهل الأسفل فكانوا متعنتين في ذلك لا منتفعين بالماء ، وإذا كان الماء دون ذلك فربما لا يفضل عن حاجة أهل الأعلى فهم منتفعون بهذا الحبس ، والماء الذي ينحدر من الجبل إلى الوادي على أصل الإباحة فمن يسبق إليه فهو أحق بالانتفاع به ، بمنزلة النزول في الموضع المباح . كل من سبق إلى موضع فهو أحق به ، ولكن ليس له أن يتعنت ، ويقصد الإضرار بالغير في منعه عما وراء موضع الحاجة ، فعند قلة الماء بدا أهل الأعلى أسبق إلى الماء فلهم أن يحبسوه عن أهل الأسفل . به { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه في حادثة معروفة للزبير بن العوام } ، وعند كثرة الماء يتم انتفاع صاحب الأعلى من غير حبس فليس له أن يتعنت بحبسه عن أهل الأسفل .