وإن كان فإنه ينبغي في القياس أن يكون النهر بين أصحاب السواني والدوالي دون أهل الأرض ; لأن يد أصحاب السواني ، والدوالي ثابتة عليه بالاستعمال ، وليس لصاحب الأرض مثل ذلك اليد فهو نظير ما لو تنازع اثنان في ثوب ، وأحدهما لابسه ، والآخر متعلق بذيله أو تنازعا في دابة ، وأحدهما راكبها ، والآخر متعلق بلجامها . نهر بين قوم لهم عليه أرضون ، ولبعض أرضهم سواني في ذلك النهر ، ولبعضها دوالي ، وبعضها ليست لها ساقية ، ولا دالية ، وليس لها شرب معروف من هذا النهر ، ولا من غيره فاختصموا في هذا النهر ، وادعى [ ص: 199 ] صاحب الأرض أن لها فيه شربا ، وهي على شاطئ النهر
ولكنه استحسن فقال : النهر بينهم جميعا على قدر أراضيهم التي على شط النهر ; لأن المقصود بحفر النهر سقي الأراضي لا اتخاذ السواني والدوالي ، ففيما هو المقصود على حالهم على السواء في إثبات اليد فهو بمنزلة ما لو فإنه لا يترجح بذلك ; لأنه تحمل ليس بمقصود فوجوده كعدمه فكذلك اتخاذ السواني ، والدوالي على النهر تبع غير مقصود فلا يترجح بذلك صاحبه فإن كان يعرف لهم شرب قبل ذلك فهو على ذلك المعروف ، وإلا فهو بينهم على قدر أراضيهم ; لأن الشرب لحاجة الأراضي فتقدر بقدر الأرض . تنازعا في حائط ، ولأحدهما عليه جرادي أو بواري أو تنازعا في دابة ، ولأحدهما عليهما مخلاة أو منديل
، وليس لها من هذا النهر شيء ; لأن الأرض الواحدة لا يجعل شربها من نهرين عادة فكون شرب معروف لها من نهر آخر دليل ظاهر على أنه لا شرب لها في هذا النهر ، وإن كانت على شطه ; ولأن صاحب هذه الأرض إنما كان يستحق لها شربا من هذا النهر لحاجة الأرض إلى الشرب ، وقد انعدم ذلك بالشرب المعروف لها من نهر آخر فإن لم يكن لها شرب من غيره قضيت لها فيه بشرب ، ولو كان لصاحبها أرض أخرى إلى جنبها ليس لها شرب معلوم فإني أستحسن أن أجعل لأراضيه كلها إن كانت متصلة الشرب من هذا النهر ، وفي القياس لا يستحق الشرب من هذا النهر للأرض الأخرى إلا بحجة ; لأن هذه الأخرى غير متصلة بالنهر بل الأرض الأولى حائلة بين النهر وبينها ، ولكنه استحسن فقال لا بد للأرض من شرب ; لأن الانتفاع بها لا يتأتى إلا بالشرب ، والظاهر عند اتصال أراضيه بعضها ببعض أن تشرب كلها من هذا النهر فيجب البناء على هذا الظاهر ما لم يتبين خلافه فإن قيل : الظاهر يعتبر في دفع الاستحقاق لا في إثبات الاستحقاق ، والحاجة هنا إلى إثبات الاستحقاق قلنا نعم ، ولكن استحقاق المتنازعين له في هذا النهر غير ثابت إلا بمثل هذا الظاهر فيصلح هذا الظاهر له معارضا ، ومزاحما لخصمائه ، وإن وإن كان لهذا الأرض شرب معروف من غير هذا النهر فلها شربها من ذلك النهر فإني أجعل لها شربا [ ص: 200 ] من هذا النهر أيضا ; لأن ما قررنا من الظاهر لا يختلف باتحاد مالك الأرضين ، واختلاف المالك إلا أن يكون النهر معروفا لقوم خاصا بهم فلا أجعل لغيرهم فيه شربا إلا ببينة ; لأن المنازعين هنا دليل لاستحقاق سوى الظاهر ، وهو إضافة النهر إليهم ، وهذه الإضافة إضافة ملك أو إضافة إحداث أنهم هم الذين حفروا هذا النهر ، وهو مملوك لهم فلا يستحق غيرهم فيه شيئا إلا ببينة فإن كان إلى جانب أرضه أرض لآخر ، وأرض الأول بين النهر ، وبينها ، وليس لهذه الأرض شرب معروف ، ولا يدري من أين كان شربها فإني أقضي به بين أصحاب الأرض بالحصص ، وليس لهم أن يقطعوه عن أهل الأجمة ، وليس لأهل الأجمة أن يمنعوه من المسيل في أجمتهم ; لأن النهر إنما يحفر لسقي الأراضي في العادة فالظاهر فيه شاهد لأصحاب الأراضي ، وهم المنتفعون بالنهر في سقي أراضيهم منه ، ولكن لأهل الأجمة نوع منفعة أيضا ، وهو فضل الماء الذي يقع في أجمتهم فلا يكون لأصحاب الأراضي قطع ذلك عنهم بالظاهر ، ولأصحاب الأراضي منفعة في مسيل فضل الماء في الأجمة فلا يكون لأصحاب الأجمة أن يمنعوهم ذلك بمنزلة كان هذا النهر يصب في أجمة ، وعليه أرض لقوم مختلفين ، ولا يدري كيف كانت حاله ، ولا لمن كان أصله فتنازع أهل الأرض ، وأهل الأجمة فيه فالحائط لصاحب الاتصال ، وليس له أن يكلف الآخر رفع جذوعه ، وهذا ; لأن ما وجد على صفة لا يغير عنها إلا بحجة ملزمة ، والظاهر لا يكفي لذلك . حائط تنازع فيه رجلان ، ولأحدهما فيه اتصال تربيع ، ولآخر عليه جذوع