الآيات التي أرسلت على قوم فرعون
لما فرغ من أمر السحرة ولم يؤمن فرعون أرسلت عليه الآيات .
وقد زعم السدي أن الآيات أرسلت قبل لقاء السحرة .
والمقصود أن الله تعالى لم يهلكهم إلا بعد إقامة الحجج عليهم ، وإرسال الرسول إليهم ، وإزاحة الشبه عنهم ، وأخذ الحجة عليهم منهم ، فبالترهيب تارة والترغيب أخرى ، كما قال تعالى : ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين الأعراف : 130 - 133 ] . فالله تعالى ابتلى آل فرعون ، وهم قومه من القبط ، بالسنين ، وهي أعوام الجدب التي لا يستغل فيها زرع ولا ينتفع بضرع . وقوله : ونقص من الثمرات وهي قلة الثمار من الأشجار ، لعلهم يذكرون أي; فلم ينتفعوا ولم يرعووا ، بل تمردوا واستمروا على كفرهم وعنادهم فإذا جاءتهم الحسنة وهو الخصب ونحوه قالوا لنا هذه أي; هذا الذي نستحقه وهذا الذي يليق بنا ، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه أي; يقولون هذا; بشؤمهم أصابنا هذا . ولا يقولون في الأول : إنه بركتهم وحسن مجاورتهم ، ولكن قلوبهم منكرة مستكبرة نافرة عن الحق ، إذا جاء الشر أسندوه إليه ، وإن رأوا خيرا ادعوه لأنفسهم . قال الله تعالى : ألا إنما طائرهم عند الله أي; الله يجزيهم على هذا أوفر الجزاء ولكن أكثرهم لا يعلمون وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين أي; وهي الخوارق للعادات فلسنا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نطيعك ولو جئتنا بكل آية . وهكذا أخبر الله عنهم في قوله : مهما جئتنا به من الآيات ، إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم [ يونس : 96 ، 97 ] . فأرسل الله عليهم الطوفان ، وهو كثرة الأمطار المتلفة للزروع والثمار . وعن ابن عباس ، وعطاء : هو كثرة الموت . وقال مجاهد : الطوفان الماء ، والطاعون على كل حال . وعن ابن عباس : أمر طاف بهم .
وأما الجراد فمعروف . وعن سلمان الفارسي ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد ، فقال : أكثر جنود الله ، لا آكله ولا أحرمه وترك النبي صلى الله عليه وسلم أكله إنما هو على وجه التقذر له; كما ترك وتنزه عن أكل البصل والثوم والكراث ، لما ثبت في " الصحيحين " ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : أكل الضب ، . غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد
والمقصود أنه استاق خضراءهم ، فلم يترك لهم زروعا ولا ثمارا ، ولا سبدا ولا لبدا .
من الآيات التي أرسلت على بني إسرائيل القمل وأما القمل ، فعن ابن عباس : هو السوس الذي يخرج من الحنطة ، وعنه ، أنه الجراد الصغار الذي لا أجنحة له .وقال سعيد بن جبير ، والحسن : هو دواب سود صغار . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي البراغيث . وحكى ابن جرير عن أهل العربية أنها الحمنان . وهو صغار القردان فوق القمقامة ، فدخل معهم البيوت والفرش ، فلم يقر لهم قرار ، ولم يمكنهم معه الغمض ولا العيش . وفسره عطاء بن السائب بهذا القمل المعروف .
إرسال الضفادع على قوم فرعون وأما الضفادع فمعروفة ، لبستهم حتى كانت تسقط في أطعماتهم وأوانيهم ، حتى إن أحدهم إذا فتح فمه لطعام أو شراب ، سقطت في فيه ضفدعة من تلك الضفادع .
وأما الدم فكان قد مزج ماؤهم كله به ، فلا يستقون من النيل شيئا إلا وجدوه دما عبيطا ، ولا من نهر ولا بئر ولا شيء إلا كان دما في الساعة الراهنة . هذا كله ، ولم ينل بني إسرائيل من ذلك شيء بالكلية . وهذا من تمام المعجزة الباهرة ، والحجة القاطعة أن هذا كله يحصل لهم عن فعل موسى ، عليه السلام ، فينالهم عن آخرهم ، ولا يحصل هذا لأحد من بني إسرائيل ، وفي هذا أدل دليل .
قال محمد بن إسحاق : فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوبا مفلولا ، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر ، فتابع الله عليه بالآيات ، فأخذه بالسنين ، فأرسل عليه الطوفان ، ثم الجراد ، ثم القمل ، ثم الضفادع ، ثم الدم آيات مفصلات; فأرسل الطوفان - وهو الماء - ففاض على وجه الأرض ثم ركد لا يقدرون على أن يحرثوا ولا أن يعملوا شيئا ، حتى جهدوا جوعا ، فلما بلغهم ذلك ، ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل [ الأعراف : 134 ] . فدعا موسى ربه ، فكشفه عنهم ، فلما لم يفوا له بشيء ، فأرسل الله عليهم الجراد ، فأكل الشجر ، فيما بلغني ، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد ، حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشف عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم القمل ، فذكر لي أن موسى ، عليه السلام ، أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه فمشى إلى كثيب أهيل عظيم ، فضربه بها ، فانثال عليهم قملا حتى غلب على البيوت والأطعمة ، ومنعهم النوم والقرار ، فلما جهدهم ، قالوا له مثل ما قالوا له ، فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فلما لم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأت البيوت والأطعمة والآنية ، فلم يكشف أحد ثوبا ولا طعاما إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه ، فلما جهدهم ذلك ، قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشف عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دما ، لا يستقون من بئر ، ولا نهر ولا يغترفون من إناء ، إلا عاد دما عبيطا . وكلما شاهدوا آية وعاينوها وجهدتهم وأضنكتهم ، حلفوا وعاهدوا موسى; لئن كشف عنهم هذه ليؤمنن به ، وليرسلن معه من هو من حزبه ، فكلما رفعت عنهم تلك الآية عادوا إلى شر مما كانوا عليه ، وأعرضوا عما جاءهم به من الحق ، ولم يلتفتوا إليه ، فيرسل الله عليهم آية أخرى ، هي أشد مما كانت قبلها وأقوى ، فيقولون ، فيكذبون . ويعدون ولا يفون لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فيكشف عنهم ذلك العذاب الوبيل . ثم يعودون إلى جهلهم العريض الطويل . هذا ، والعظيم الحليم القدير ينظرهم ولا يعجل عليهم ، ويؤخرهم ويتقدم بالوعيد إليهم .
فلما يئس من إيمانهم ومن إيمان فرعون دعا موسى وأمن هارون فقال : ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم . فاستجاب الله لهما ، فمسخ الله أموالهم ، ما عدا خيلهم وجواهرهم وزينتهم حجارة ، والنخل ، والأطعمة ، والدقيق ، وغير ذلك ، فكانت . إحدى الآيات التي جاء بها موسى