الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وذكروا أنهم لما جاوزوا البحر ، وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام ، مكثوا ثلاثة أيام ، لا يجدون ماء ، فتكلم من تكلم منهم بسبب ذلك ، فوجدوا ماء زعاقا أجاجا ، لم يستطيعوا شربه ، فأمر الله موسى ، عليه السلام ، فأخذ خشبة فوضعها فيه ، فحلا وساغ شربه ، وعلمه الرب هنالك فرائض وسننا ، ووصاه وصايا كثيرة . وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز ، المهيمن على ما عداه من الكتب ثم ساروا فأتوا على قوم يعبدون الأصنام فقالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قالوا هذا الجهل والضلال ، وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ، ما دلهم على صدق ما جاءهم به رسول ذي الجلال والإكرام ، وذلك أنهم مروا على قوم يعبدون أصناما ، قيل : كانت على صور البقر . فكأنهم سألوهم : لم يعبدونها ، فزعموا لهم أنها تنفعهم وتضرهم ، ويسترزقون بها عند الضرورات ، فكأن بعض الجهال منهم صدقوهم في ذلك ، فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم ، أن يجعل لهم آلهة كما لأولئك آلهة ، فقال لهم مبينا لهم أنهم لا يعقلون ولا يهتدون : إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون . ثم ذكرهم نعمة الله عليهم ، في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم ، والشرع ، والرسول الذي بين أظهرهم ، وما أحسن به إليهم ، وما امتن به عليهم ، من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد ، وإهلاكه إياه وهم ينظرون ، وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملؤه يجمعونه من الأموال والسعادة ، وما كانوا يعرشون ، وبين لهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده ، لا شريك له; لأنه الخالق الرازق القهار ، وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال ، بل الضمير عائد على الجنس في قوله : وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا ياموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة أي; قال بعضهم كما في قوله : وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا [ الكهف : 47 ، 48 ] . فالذين زعموا هذا بعض الناس ، لا كلهم .

            وقد قال الإمام أحمد بسنده عن أبي واقد الليثي ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل حنين ، فمررنا بسدرة فقلت : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط ، كما للكفار ذات أنواط . وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ، ويعكفون حولها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة . إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم

            التالي السابق


            الخدمات العلمية