الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
الذين ضل سعيهم في إقامة تلك الأعمال، أي: ضاع وبطل بالكلية. في الحياة الدنيا متعلق بالسعي لا بالضلال; لأن بطلان سعيهم غير مختص بالدنيا. قيل: المراد بهم: أهل الكتابين، قاله ، ابن عباس وسعد بن أبي وقاص، ، رضي الله عنهم. ويدخل في الأعمال حينئذ ما عملوه من الأحكام المنسوخة المتعلقة بالعبادات، وقيل: الرهابنة الذين يحبسون أنفسهم في الصوامع، ويحملونها على الرياضات الشاقة، ولعله ما يعمهم وغيرهم من الكفرة. ومحل الموصول الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف; لأنه جواب للسؤال، كأنه قيل: من هم فقيل الذين ... إلخ. وجعله مجرورا على أنه نعت للأخسرين، أو بدل منه، أو منصوبا على الذم على أن الجواب ما سيأتي من قوله تعالى: ومجاهد أولئك ... الآية. يأباه أن صدره ليس منبئا عن خسران الأعمال، وضلال السعي كما يستدعيه مقام الجواب، والتفريع الأول، وإن دل على حبوطها لكنه ساكت عن إنباء ما هو العمدة في تحقيق معنى الخسران من الوثوق بترتب الربح، واعتقاد النفع فيما صنعوا على أن التفريع الثاني مما يقطع ذلك الاحتمال رأسا إذ لا مجال لإدراجه تحت الأمر بقضية نون العظمة. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا الإحسان الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق، وهو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي، أي: يحسبون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق، وذلك لإعجابهم بأعمالهم التي سعوا في إقامتها، وكابدوا في تحصيلها. والجملة حال من فاعل ضل، أي: بطل سعيهم المذكور، والحال أنهم يحسبون أنهم يحسنون في ذلك وينتفعون بآثاره، أو من المضاف إليه لكونه في محل الرفع نحو قوله تعالى: إليه مرجعكم جميعا أي: بطل سعيهم. والحال "أنهم" ... إلخ. والفرق بينهما أن المقارن لحال حسبانهم المذكور في الأول: ضلال سعيهم، وفي الثاني: نفس سعيهم، والأول أدخل في بيان خطئهم.