وقوله تعالى : فما استيسر من الهدي قال : قد اختلف أبو بكر السلف في ذلك ، فروي عن عائشة أنهما قالا : " لا يكون الهدي إلا من الإبل والبقر " . وقال وابن عمر شاة " . واختلف فقهاء الأمصار فيه ، فقال ابن عباس أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك : " والشافعي وهو قول الهدي من الأصناف الثلاثة : الإبل والبقر والغنم " ، قال ابن شبرمة : " والبدن من الإبل خاصة " . وقال أصحابنا ابن شبرمة : " من الإبل والبقر " . واختلفوا في السن ، فقال أصحابنا والشافعي : " لا يجزي في الهدي من الإبل والبقر والغنم إلا الثني فصاعدا إلا الجذع من الضأن فإنه يجزي " . وقال والشافعي : " لا يجزي من الهدي إلا الثني فصاعدا " . وقال مالك : " يهدي الذكور من الإبل ، ويجوز الجذع من الإبل والبقر ، ويجزي كل واحد منهما عن سبعة " . الأوزاعي
قال : الهدي اسم لما يهدى إلى البيت على وجه التقرب به إلى الله تعالى ، وجائز أن يسمى به ما يقصد به الصدقة وإن لم يهد إلى البيت ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر فسمى الدجاجة [ ص: 339 ] والبيضة هديا وإن لم يرد به إهداءه إلى البيت ، وإنما أراد به الصدقة وإخراجها مخرج القربة ؛ ولذلك قال أصحابنا المبكر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ، ثم الذي يليه كالمهدي شاة ، ثم الذي يليه كالمهدي دجاجة ، ثم الذي يليه كالمهدي بيضة " أن عليه أن يتصدق به . واتفق الفقهاء على أن ما عدا هذه الأصناف الثلاثة من الإبل والبقر والغنم ليس من الهدي المراد بقوله فيمن قال : " لله علي أن أهدي ثوبي هذا أو داري هذه فما استيسر من الهدي واختلفوا فيما أريد به منها على ما ذكرنا ؛ وظاهر الآية يقتضي دخول الشاة فيه لوقوع الاسم عليها ؛ ولم يختلفوا في معنى قوله : هديا بالغ الكعبة أن الشاة منه وأنه يكون هديا في جزاء الصيد وروى إبراهيم عن الأسود عن : عائشة . أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى غنما مرة
وروى عن الأعمش أبي سفيان عن قال : جابر . كان فيما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنم مقلدة
فإن قيل : الرواية عن في هدي الغنم لا يصح ؛ لأن عائشة القاسم قد روى عنها أنها كانت لا ترى الغنم مما يستيسر من الهدي . قيل له : إنما معناه أنه لا يصير محرما بها وأن هدي الإبل والبقر يوجب الإحرام إذا أراده وقلدهما ، وأما اعتبار الثني فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة حين ضحى قبل الصلاة ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادتها ، فقال : عندي جذعة من المعز خير من شاتي لحم ، فقال : تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك أبي بردة بن نيار فمنع الجذع في الأضحية ؛ والهدي مثلها ؛ لأن أحدا لم يفرق بينهما . وإنما أجازوا الجذع من الضأن لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقد بينا ذلك في شرح المختصر أمر بأن يضحى بالجذع من الضأن إذا فرض له ستة أشهر
وقد اختلفوا في جواز ، فقال أصحابنا الشركة في دم الهدايا الواجبة : " تجوز البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " . وقال والشافعي : " يجوز ذلك في التطوع ولا يجزي في الواجب " . مالك
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه جابر الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وتلك كانت واجبة ؛ لأنها كانت عن إحصار . ولما اتفقوا على جوازها عن سبعة في التطوع كان الواجب مثله ؛ لأنهما لا يختلفان في الجواز في سائر الوجوه ؛ ويدل عليه قوله : جعل يوم فما استيسر من الهدي ظاهره يقتضي التبعيض ، فوجب أن يجزي بعض الهدي بحق الظاهر ، والله أعلم .