الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : فمن تطوع خيرا فهو خير له يجوز أن يكون ابتداء كلام غير متعلق بما قبله ؛ لأنه قائم بنفسه في إيجاب الفائدة يصح ابتداء الخطاب به ، فيكون حثا على التطوع بالطاعات . وجائز أن يريد به التطوع بزيادة طعام الفدية ؛ لأن المقدار المفروض منه نصف صاع ، فإن تطوع بصاع أو صاعين فهو خير له .

[ ص: 223 ] وقد روي هذا المعنى عن قيس بن السائب ، أنه كبر فلم يقدر على الصوم فقال : " يطعم عن كل إنسان لكل يوم مدين فأطعموا عني ثلاثا " . وغير جائز أن يكون المراد أحد ما وقع عليه التخيير فيه من الصيام أو الإطعام ؛ لأن كل واحد منهما إذا فعله منفردا فهو فرض لا تطوع فيه ، فلم يجز أن يكون واحد منهما مراد الآية . وجائز أن يكون المراد الجمع بين الصيام والطعام فيكون الفرض أحدهما والآخر التطوع .

وأما قوله تعالى : وأن تصوموا خير لكم فإنه يدل على أن أول الآية فيمن يطيق الصوم من الأصحاء المقيمين غير المرضى ولا المسافرين ولا الحامل والمرضع ؛ وذلك لأن المريض الذي يباح له الإفطار هو الذي يخاف ضرر الصوم ، وليس الصوم بخير لمن كان هذا حاله ؛ لأنه منهي عن تعريض نفسه للتلف بالصوم ؛ والحامل والمرضع لا تخلوان من أن يضر بهما الصوم أو بولديهما ، وأيهما كان فالإفطار خير لهما والصوم محظور عليهما .

وإن كان لا يضر بهما ولا بولديهما فعليهما الصوم وغير جائز لهما الفطر ، فعلمنا أنهما غير داخلتين في قوله تعالى : وعلى الذين يطيقونه وقوله : وأن تصوموا خير لكم عائد إلى من تقدم ذكره في أول الخطاب ، وجائز أن يكون قوله : وأن تصوموا خير لكم عائدا إلى المسافرين أيضا مع عوده على المقيمين المخيرين بين الصوم والإطعام ، فيكون الصوم خيرا للجميع ، إذ كان أكثر المسافرين يمكنهم الصوم في العادة من غير ضرر وإن كان الأغلب فيه المشقة ؛ ودلالته واضحة على أن الصوم في السفر أفضل من الإفطار وفيه الدلالة على أن صوم يوم تطوعا أفضل من صدقة نصف صاع ؛ لأنه في الفرض كذلك ؛ ألا ترى أنه لما خيره في الفرض بين صوم يوم وصدقة نصف صاع جعل الصوم أفضل منها ؟ فكذلك يجب أن يكون حكمهما في التطوع ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية