باب أيام منى والنفر فيها قال الله عز وجل : واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه قال : روى أبو بكر سفيان عن وشعبة بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . واتفق أهل العلم على أن قوله بيان لمراد الآية في قوله : أيام منى ثلاثة أيام التشريق ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه أيام معدودات ولا خلاف بين أهل العلم أن المعدودات أيام التشريق ؛ وقد روي ذلك عن علي [ ص: 394 ] وعمر وابن عباس وغيرهم ، إلا شيء رواه وابن عمر عن ابن أبي ليلى المنهال عن عن زر قال : " المعدودات : يوم النحر ويومان بعده واذبح في أيها شئت " . وقد قيل : إن هذا وهم ، ، والصحيح عن علي أنه قال ذلك في المعلومات . وظاهر الآية ينفي ذلك أيضا ؛ لأنه قال : علي فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه وذلك لا يتعلق بالنحر وإنما يتعلق برمي الجمار المفعول في أيام التشريق .
وأما المعلومات فقد روي عن علي : " أن المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، واذبح في أيها شئت " قال وابن عمر : " المعدودات أيام التشريق " ، وقال ابن عمر عن سعيد بن جبير : " المعلومات : العشر ، والمعدودات أيام التشريق " . وقد روى ابن عباس عن ابن أبي ليلى الحكم عن مقسم عن : " المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده أيام التشريق ، والمعدودات يوم النحر وثلاثة أيام بعده التشريق " وروى ابن عباس عبد الله بن موسى : أخبرنا عمارة بن ذكوان عن عن مجاهد قال : " المعدودات أيام العشر ، والمعلومات أيام النحر " فقوله : المعدودات إنها أيام العشر ، لا شك في أنه خطأ ولم يقل به أحد ، وهو خلاف الكتاب ، قال الله تعالى : ابن عباس فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثلاث .
وقد روي عن بإسناد صحيح أن المعلومات العشر ، والمعدودات أيام التشريق ، وهو قول الجمهور من التابعين ، منهم ابن عباس الحسن ومجاهد وعطاء والضحاك في آخرين منهم . وإبراهيم
وقد روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف : أن المعلومات العشر ، والمعدودات أيام التشريق . وذكر ومحمد عن شيخه الطحاوي أحمد بن أبي عمران ، عن قال : كتب بشر بن الوليد أبو العباس الطوسي إلى يسأله عن الأيام المعلومات ، فأملى علي أبي يوسف جواب كتابه : اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروي عن أبو يوسف علي أنها أيام النحر ، وإلى ذلك أذهب ؛ لأنه قال : وابن عمر على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وذكر شيخنا عن أبو الحسن الكرخي أحمد القاري عن محمد ، عن ، أن المعلومات العشر ؛ وعن أبي حنيفة محمد : أنها أيام النحر الثلاثة : يوم الأضحى ويومان بعده . قال : فحصل من رواية أبو بكر أحمد القاري عن محمد ، ورواية عن بشر بن الوليد ، أن المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، ولم تختلف عن أبي يوسف أن أبي حنيفة ؛ وهو قول المعلومات أيام العشر ، والمعدودات أيام التشريق المشهور ابن عباس
وقوله تعالى : على ما رزقهم من بهيمة الأنعام لا دلالة فيه على أن المراد أيام النحر لاحتماله أن يريد : لما رزقهم من بهيمة الأنعام ، كقوله : ولتكبروا الله على ما هداكم والمعنى : لما [ ص: 395 ] هداكم . وأيضا يحتمل أن يريد بها أيام العشر ؛ لأن فيها يوم النحر ، وفيه الذبح ، ويكون بتكرار السنين عليه أياما . وذكر أهل اللغة أن المعدودات منفصلة عن المعلومات بدلالة اللفظ على افتراقهما في باب العدد ؛ وذلك لأن وصفها بالمعدودات دلالة التقليل ، كقوله تعالى : بخس دراهم معدودة وإنما يوصف بالعدد إذا أريد به التقليل ؛ لأنه يكون نقيض كثرة ؛ فهو كقولك : قليل وكثير ؛ فعرفت المعدودات بالتقليل ، وقيل للأخرى معلومات فعرفت بالشهرة ؛ لأنها عشرة . ولم يختلف أهل العلم أن أيام منى ثلاثة بعد يوم النحر ، وأن ، وأن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني منها إذا رمى الجمار وينفر له أن يتأخر إلى اليوم الثالث حتى يرمي الجمار فيه ثم ينفر
واختلف ، فروي عن فيمن لم ينفر حتى غابت الشمس من اليوم الثاني عمر وابن عمر وجابر بن زيد والحسن : " أنه إذا غابت الشمس من اليوم الثاني قبل أن ينفر فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد " . وروي عن وإبراهيم : أن له أن ينفر في اليوم الثاني إذا رمى وقت الظهر كله ، فإن الحسن البصري بمنى ، فليس له أن ينفر إلى اليوم الثالث . وقال أصحابنا : إنه إذا لم ينفر حتى غابت الشمس فلا ينبغي له أن ينفر حتى يرمي جمرة اليوم الثالث ، ولا يلزمه ذلك إلا أن يصبح أدركته صلاة العصر بمنى فحينئذ يلزمه رمي اليوم الثالث ولا يجوز تركه " . ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أن من أقام بمنى إلى اليوم الثالث أنه لا يجوز له النفر حتى يرمي ، وإنما قالوا : إنه لا يلزمه رمي اليوم الثالث بإقامته بمنى إلى أن يمسي ، من قبل أن الليلة التي تلي اليوم الثاني هي تابعة له حكمها حكمه ، وليس حكمها حكم الذي بعدها ، ألا ترى أنه رماه في ليلته ولم يكن مؤخرا له عن وقته ؟ لأنه صلى الله عليه وسلم لو ترك الرمي في اليوم الأول ، فكان حكم الليلة حكم اليوم الذي قبلها ولم يكن حكمها حكم الذي بعدها ؛ فلذلك قالوا : إن إقامته في اليوم الثاني رخص للرعاة أن يرموا ليلا بمنى إلى أن يمسي بمنزلة إقامته بها نهارا ، وإذا أقام حتى يصبح من اليوم الثالث لزمه الرمي بلا خلاف . وهذا مما يستدل به على صحة قول في تجويزه أبي حنيفة ؛ إذ قد صار وقتا للزوم الرمي ، ويستحيل أن يكون وقتا لوجوبه ثم لا يصح فعله فيه . رمي اليوم الثالث قبل الزوال
وأما قوله تعالى : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى فإنه قد قيل فيه وجهان :
أحدهما : فلا إثم عليه لتكفير سيئاته وذنوبه بالحج المبرور ؛ وروي نحوه عن ، ومثله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : عبد الله بن مسعود . من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع [ ص: 396 ] كيوم ولدته أمه
والوجه الثاني : أنه لا مأثم عليه في التعجيل ؛ وروي نحوه عن وغيره ، وقال : الحسن ومن تأخر فلا إثم عليه ؛ لأنه مباح له التأخير . وقوله : لمن اتقى يحتمل لمن اتقى ما نهى الله عنه في الإحرام بقوله : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وإن لم يتق فغير موعود بالثواب .