باب تحريم الدم قال الله تعالى : إنما حرم عليكم الميتة والدم وقال : حرمت عليكم الميتة والدم فلو لم يرد في تحريمه غير هاتين الآيتين لاقتضى ذلك تحريم سائر الدماء قليلها وكثيرها ، فلما قال في آية أخرى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا دل ذلك على أن المحرم من الدم هو المسفوح دون غيره .
فإن قال قائل : قوله : أو دما مسفوحا خاص فيما كان منه على هذه الصفة ، وقوله في الآيتين الأخريين عام في سائر الدماء ، فوجب إجراؤه على عمومه ؛ إذ ليس في الآية ما يخصه . قيل [ ص: 152 ] له : قوله : أو دما مسفوحا جاء فيه نفي لتحريم سائر الدماء إلا ما كان منه بهذا الوصف ؛ لأنه قال : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم إلى قوله : أو دما مسفوحا وإذ كان ذلك على ما وصفنا لم يخل من أن يكون قوله : إنما حرم عليكم الميتة والدم متأخرا عن قوله : أو دما مسفوحا أو أن يكونا نزلا معا .
فلما عدمنا تاريخ نزول الآيتين وجب الحكم بنزولهما معا ، فلا يثبت حينئذ تحريم الدم إلا معقودا بهذه الصفة وهو أن يكون مسفوحا . وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي قال : حدثنا الحسين بن أبي الربيع الجرجاني : أخبرنا قال : أخبرنا عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : لولا هذه الآية : عكرمة أو دما مسفوحا لاتبع المسلمون من العروق ما اتبع اليهود . وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا قال : أخبرنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر في قوله : قتادة أو دما مسفوحا قال : " حرم من الدم ما كان مسفوحا ، وأما اللحم يخالطه الدم فلا بأس به " .
وروى عن القاسم بن محمد ، أنها سئلت عن الدم يكون في اللحم والمذبح قالت : " إنما نهى الله عن عائشة " . الدم المسفوح
ولا خلاف بين الفقهاء في جواز ؛ لأنه غير مسفوح ، ألا ترى أنه متى صب عليه الماء ظهرت تلك الأجزاء فيه ؟ وليس هو بمحرم ؛ إذ ليس هو مسفوحا ولما وصفنا قال أصحابنا : " إن أكل اللحم مع بقاء أجزاء الدم في العروق ليس بنجس " وقالوا أيضا : " إن دم السمك ليس بنجس لأنه يؤكل بدمه " . دم البراغيث والبق والذباب
وقال في دم البراغيث : " إذا تفاحش غسله ويغسل دم الذباب ودم السمك " . وقال مالك : " لا يفسد الوضوء إلا أن تقع فيه نجاسة من دم أو بول أو غيره " فعم الدماء كلها . الشافعي
فإن قال قائل : قوله : حرمت عليكم الميتة والدم وقوله : أو دما مسفوحا يوجب تحريم ؛ لأنه مسفوح . دم السمك
قيل له : هذا مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم : فلما أباح السمك بما فيه من الدم من غير إراقة دمه ، وقد تلقى المسلمون هذا الخبر بالقبول في إباحة السمك من غير إراقة دمه ، وجب تخصيص الآية في إباحة دم السمك ؛ إذ لو كان محظورا لما حل دون إراقة دمه كالشاة وسائر الحيوان ذوات الدماء ، والله أعلم . أحلت لي ميتتان ودمان : السمك والجراد