ولما كانوا قد بالغوا في السفه في هذا القول ، وكان قد علم من محاورته - صلى الله عليه وسلم - لهم الحلم عنهم - اشتد التطلع إلى ما يكون من جوابه لهذا والتوقع له ، فشفى غليل هذا التشوف بقوله : [ ص: 441 ] قال قد وقع أي : حق ووجب وقرب أن يقع عليكم من ربكم أي : الذي غركم به تواتر إحسانه عليكم وطول إملائه لكم رجس أي : عذاب شديد الاضطراب في تتبع أقصاكم وأدناكم موجب لشدة اضطرابكم وغضب أي : شدة في ذلك العذاب لا تفلتون منها .
ولما أخبرهم بذلك ، بين لهم أن سببه كلامهم هذا في سياق الإنكار ، فقال : أتجادلونني ولما كانت آلهتهم تلك التي يجادلون فيها لا تزيد على الأسماء لكونها خالية من كل معنى ، قال : في أسماء ثم بين أنه لم يسمها آلهة من يعبد به فقال : سميتموها أنتم وآباؤكم ولما كان لله تعالى أن يفعل ما يشاء وأن يأمر بالخضوع لمن يشاء ، قال نافيا التنزيل فإنه يلزم من نفي الإنزال : ما نـزل الله أي : الذي ليس الأمر إلا له بها أي : بتعبدكم لها أو بتسميتكم إياها ، وأغرق في النفي فقال : من سلطان ولعله أتى بصيغة التنزيل لأن التفعيل يأتي بمعنى الفعل المجدد وبمعنى الفعل بالتدريج فقصد [لأنه في سياق المجادلة وفي سورة مقصودها إنذار من أعرض عما دعا إليه هذا الكتاب النازل بالتدريج] - النفي بكل اعتبار ، سواء كان تجديدا أو تدريجا وإشارة إلى أنه لو نزل عليهم في الأمر بعبادتها شيء واحد لتوقفوا فيه لعدم فهمهم لمعناه حتى يكرر عليهم الأمر فيه مرة بعد أخرى ، فيعلموا أن ذلك أمر حتم لا بد منه كما فعله بنو إسرائيل في الأمر بذبح البقرة لأجل القتيل لأجل أنهم لم يعقلوا [ ص: 442 ] معناه ، دل ذلك قطعا على أن الأمر لهم بعبادتها إنما هو ظلام الهوى لأنه عمى محض من شأن الإنسان ركوبه بلا دليل أصلا .
ولما أخبرهم بوقوع العذاب وسببه - بين لهم أن الوقوع ليس على ظاهره في الإنجاز ، وإنما معناه الوجوب الذي لا بد منه ، فقال : فانتظروا ثم استأنف الإخبار عن حاله بقوله : إني وأشار بقوله : معكم إلى أنه لا يفارقهم لخشيته منهم ولا غيرها من المنتظرين