ومن أعرض أي فعل دون فعل الرضيع بتعمد الترك لما ينفعه بالمجاورة عن ذكري الذي هو الهدى فإن له ضد ذلك معيشة حقرها سبحانه بالتأنيث ثم وصفها بأفظع وصف وهو مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع وغيره فقال: ضنكا أي ذات ضنك أي ضيق، لكونه على ضلال وإن رأى أن حاله على غير ذلك في السعة والراحة، فإن ضلاله لا بد أن يرديه، فهو ضنك لكونه سببا للضيق وآئلا إليه، من تسمية السبب باسم المسبب، مع أن المعرض عن الله لا يشبع ولا يضل إلى أن يقنع، مستول عليه الحرص الذي لا يزال أن يطيح ببال من يريد الازدياد من الدنيا، مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق، عن مناواة الخصوم، وتعاقب الهموم، مع أنه لا يرجو ثوابا، ولا يأمن عقابا، فهو لذلك في أضيق الضيق، لا يزال همه أكبر من وجده
آدم واد من ذهب لابتغى إليه ثانيا، ولو أن له واديين لابتغى لهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" متفق عليه عن "لو كان لابن رضي الله عنه، وهكذا حال من أتبع نفسه هواها، وأما المقبل على الذكر بكليته فهو قانع راض بما هو فيه، مستكثر من ذكر الله الشارح للصدور الجالي للقلوب فهو أوسع سعة، فلا تغتر بالصور وانظر إلى المعاني. [ ص: 363 ] ولما ذكر حاله في الدنيا، أتبعه قوله: أنس ونحشره يوم القيامة أعمى وكان ذلك في بعض أوقات ذلك اليوم، قال رضي الله عنهما: إذا خرج من القبر خرج بصيرا، فإذا سيق إلى المحشر عمي، أو يكون ذلك - وهو أقرب مفهوم العبارة - في بعض أهل الضلال ليجتمع مع قوله ابن عباس أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا وحديث رضي الله عنهما في الصحيح من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عبد الله بن عمر "الظلم ظلمات يوم القيامة"