ولما كان طلب العبادة للائتمار والانتهاء ربما أوهم الحاجة إليها لنفع في الطاعة أو ضرر يلحقه - سبحانه - من المعصية ، وكان الإمهال مع المبارزة ربما ظن أنه عن عجز - قال مرغبا مرهبا : وربك أي : المحسن إليك وإليهم بإرسالك ، وحصر الخبر في المبتدإ بقوله : الغني أي : وحده الغني المطلق عن كل عابد وعبادته ، فليعمل العامل لنفع نفسه أو ضرها ذو الرحمة أي : وحده بالإمهال والإرسال للتنبيه على ما يستحقه من الأعمال; ولما كان اختصاصه بالغنى والرحمة فلا رحمة إلا منه ولا غنى إلا عنه ، وأنه ما رتب الثواب والعقاب إلا رحمة منه وجودا - استأنف بيان ذلك ، وأخبر عن هذا المبتدإ بوصفيه عند من جعلها وصفين بقوله مصرحا بما أفاده : إن يشأ يذهبكم أي : جميعا بالإهلاك ، فلا يقع في ظن أحد منكم أن الإهلاك متوقف على شيء [ ص: 276 ] غير مشيئته ، ولكنه قضى بإمهالكم إلى آجالكم رحمة لكم وإكراما لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - ثم قال تحقيقا لغناه أيضا : ويستخلف
ولما كان لم يجعل لأحد الخلد ، أدخل الجار فقال : من بعدكم أي : بعد هلاككم ما يشاء أي : يبدع غيركم من الخلق من جنسكم [أو غير جنسكم] كما أبدع أباكم آدم من التراب والتراب من العدم وفرعكم منه كما أنشأكم من ذرية أي : نسل قوم آخرين أي : بعد أن أهلكهم أجمعين ، وهم أهل السفينة وقد كنتم نطفا في أصلابهم ، لم يكن في واحدة منها [حياة] .