ولما تقرر ذلك من التهديد على إنكار البعث وتحرر ، فأنتج [ ص: 277 ] الاجتهاد للعاقل - ولا بد - في العمل ، وكان أكثر الخلق - أحق أمره - سبحانه - بالنصيحة بقوله : قل يا قوم أي : يا أقرب الخلق إلي وأعزهم علي ومن لهم قيام في الأمور وكفاية عند المهمات اعملوا وأشار إلى مزيد القوة بعد التعبير بالقوم بحرف الاستعلاء ، فقال : على مكانتكم أي : على ما لكم من القدرة على العمل والمكنة قبل أن تأتي الدواهي وتسبقكم القواصم بخفوق الأجل ، وفيه مع النصيحة تخويف أشد مما قبله ؛ لأن تهديد الحاضر على لسان الغير مع الإعراض أشد من مواجهته بالتهديد ، أي : أنكم إن لم تقبلوا بذلك التهديد الأول كنتم أهلا للإعراض والبعد .
ولما كان أدل شيء على النصيحة مبادرة الناصح إلى مباشرة ما نصح به ودعا إليه ، قال مستأنفا أو معللا : إني عامل أي : على مكانتي وبقدر استطاعتي قبل الفوت بحادث الموت ، ويمكن أن يكون متمحضا للتهديد ، فيكون المعنى : اعملوا بما أنتم تعملونه الآن من مخالفتي بغاية ما لكم من القوة ، إني كذلك أعمل فيما جئت به .
ولما كان وقوع المتوعد به سببا للعلم بالعاقبة ، [وكان السياق لعدم تذكرهم وغرورهم وقلة فطنتهم] ، حسن إثبات الفاء في قوله : [دون إسقاطها لأن الاستئناف يتعطف للسؤال فقال] : فسوف تعلمون أي : يقع لكم بوعد لا خلف فيه العلم ، فكأنه قيل : أي علم ؟ فقيل : [ ص: 278 ] من تكون له كونا كأنه جبل عليه عاقبة الدار أي : بيني وبينكم ، وهذا في إثبات الفاء بخلاف ما في قصة شعيب - عليه السلام - من سورة هود - عليه السلام - [في حذفها]; ولما كان التقدير جوابا لما تقرر من سؤالهم : عاقبة الدار للعامل العدل - استأنف قوله : إنه لا يفلح الظالمون أي : الغريقون في الظلم كائنين من كانوا ، فلا يكون لهم عاقبة الدار ، فالآية من الاحتباك : ذكر العاقبة أولا دليل على حذفها ثانيا ، وذكر الظلم ثانيا [دليل] على حذف العدل أولا .