أو تقولوا أي : أيها العرب : لم نكن عن دراستهم غافلين بل كنا عالمين بها ، ولكنه لا يجب اتباع الكتاب إلا على المكتوب إليه فلم نتبعه ، و لو أنا أهلنا لما أهلوا له حتى أنـزل علينا الكتاب أي : جنسه أو الكتاب الذي أنزل إليهم من عند ربنا لكنا أهدى منهم أي : لما لنا من الاستعداد بوفور العقل وحدة الأذهان واستقامة الأفكار واعتدال الأمزجة والإذعان للحق ؛ ولذلك سبب عن هاتين العلتين قوله : فقد جاءكم وذكر الفعل مدحا لهذا القرآن وتفضيلا وتشريفا له على كل ما تقدمه [وتنبيها على أن بيان هذه السورة في النهاية لأنها سورة أصول الدين] بينة أي : حجة ظاهرة بلسانكم من ربكم أي : المحسن إليكم على لسان رجل [منكم] تعرفون أنه أولاكم بذلك وهدى أي : بيان لمن تدبره عظيم ورحمة أي : إكرام لمن قبله ، [ ص: 331 ] فكذبتم بها .
ولما قامت عليهم الحجة ، حسن وقوع [تحذير] التقرير بقوله : فمن أي : فتسبب عن تكذيبكم أنه يقال - بيانا لأنكم أظلم الناس - : من أظلم ممن كذب [أي أوقع التكذيب] بآيات الله أي : الذي لا أعظم منه فلا أعظم من آياته ؛ لأن الأثر على قدر المؤثر وصدف أي : أعرض إعراضا صار به كأنه في صفد - أي : سد - عن سهولة الانقياد للدليل عنها [بعد ما عرف صحتها] .
ولما كان الجواب قطعا : لا أحد أظلم منه ، فكان الحال مقتضيا لتوقع ما يجازى به ، قال : سنجزي أي : بوعد صادق لا خلف فيه ، وأظهر ما أصله الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف فقال : الذين يصدفون أي : يجددون الإعراض ولا يتوبون عن آياتنا أي : على ما لها من العظمة سوء العذاب أي : الذي يسوء نفسه بما كانوا يصدفون أي : بسبب إعراضهم الذي كان عادة لهم .