[ ص: 402 ] ولما كانت الدار لا تطيب إلا بحسن الجوار قال : ونـزعنا أي : بما لنا من العظمة التي لا يعجزها شيء ما كان في الدنيا في صدورهم من غل أي : ضغينة وحقد وغش من بعضهم على بعض يغل ، أي : يدخل بلطف إلى صميم القلب ، ومن الغلول ، وهو الوصول بالحيلة إلى الذنوب الدقيقة ، ويقال : غل في الشيء وتغلغل فيه - إذا دخل فيه بلطافة كالحب يدخل في صميم الفؤاد ، حتى إن صاحب الدرجة [السافلة لا يحسد صاحب] العالية .
ولما كان حسن الجوار لا يلذ إلا بطيب القرار بإحكام الدار ، وكان الماء سبب العمارة وطيب المنازل ، وكان الجاري منه أعم نفعا وأشد استجلابا للسرور قال تعالى : تجري من وأشار إلى علوهم بقوله : تحتهم الأنهار فلما تمت لهم النعمة بالماء الذي به حياة كل شيء فعرف أنه يكون عنه الرياض والأشجار وكل ما به حسن الدار - أخبر عن تعاطيهم الشكر لله ولرسوله المستجلب للزيادة بقوله : وقالوا الحمد أي : الإحاطة بأوصاف الكمال لله أي : المحيط بكل شيء علما وقدرة لذاته لا لشيء آخر. ثم وصفوه بما يقتضي ذلك له لأوصافه أيضا ، فقالوا معلمين أنه لا سبب لهم في الوصول إلى النعيم غير فضله في الأولى [ ص: 403 ] والأخرى : الذي هدانا أي : بالبيان والتوفيق ، وأوقعوا الهداية على ما وصلوا إليه إطلاقا للمسبب على السبب لهذا أي : للعمل الذي أوصلنا إليه وما أي : والحال أنا ما كنا لنهتدي أصلا لبناء جبلاتنا على خلاف ذلك لولا أن هدانا الله أي : الذي له الأمر كله ، وقراءة بغير واو على أن الجملة موضحة لما قبلها ، والقراءتان دامغتان للقدرية . ابن عامر
ولما كان تصديقهم للرسل في الدنيا إيمانا بالغيب من باب علم اليقين ، أخبروا في الآخرة بما وصلوا إليه من عين اليقين سرورا وتبججا لا تعبدا ، وثناء على الرسل ومن أرسلهم بقولهم - مفتتحين بحرف التوقع لأنه محله - : لقد جاءت رسل ربنا أي : المحسن إلينا بالحق أي : الثابت الذي يطابقه الواقع الذي لا زوال له .
ولما غبطوا أنفسهم وحقروها وأثبتوا الفضل لأهله ، عطف على قولهم قوله مانا عليهم بقبول أعمالهم ، ولما كان السار الإخبار عن الإيراث لا كونه من معين ، بني للمفعول قوله : ونودوا أي : إتماما لنعيمهم أن هي المخففة من الثقيلة أو هي المفسرة تلكم الجنة العالية أورثتموها أي : صارت إليكم من غير تعب ولا منازع بما أي : بسبب ما كنتم تعملون لأنه - سبحانه - جعله سببا [ ص: 404 ] ظاهريا بكرمه ، والسبب الحقيقي هو ما ذكروه هم من توفيقه .