ولما استقرت بهم الدار ، ونودوا بدوام الاستقرار ، أخبر - سبحانه - أنهم أقبلوا متبجحين على أهل النار شامتين بهم في إحلالهم دار البوار تلذيذا لأنفسهم بالنعيم وتكديرا على الأشقياء في قوله : ونادى أصحاب الجنة أي : بعد دخول كل من الفريقين إلى داره أصحاب النار يخبرونهم بما أسبغ عليهم من النعم ، ويقررونهم بما كانوا يتوعدونهم به من حلول النقم. ثم فسر ما وقع له النداء بقوله : أن أو هي مخففة من الثقيلة ، وذكر حرف التوقع ؛ لأنه محله فقال : قد وجدنا أي : بالعيان كما كنا واجدين له بالإيمان ما وعدنا ربنا أي : المحسن إلينا في الدارين من الثواب حقا أي : وجدنا جميع ما وعدنا ربنا لنا ولغيرنا حقا كما كنا نعتقد فهل وجدتم أي : كذلك ما وعد وأثبت المفعول الأول تلذيذا ، وحذفه هنا احتقارا للمخاطبين ، وليشمل ما للفريقين فيكون وجد بمعنى العلم وبمعنى اللقي ، وفي التعبير بالوعد دون الوعيد مع ذلك تهكم بهم ربكم أي : الذي أحسن إليكم فقابلتم إحسانه بالكفران من العقاب حقا لكونكم وجدتم ما توعدكم به ربكم حقا قالوا نعم أي : قد وجدنا ذلك [ ص: 405 ] كله حقا. قال : نعم عدة ، أي : في جواب : أتعطيني كذا ، وتصديق في مثل قد كان كذا ، [والآية من الاحتباك : أثبت المفعول الثاني أولا دليلا على حذف مثله ثانيا ، وحذفه ثانيا دليلا على إثبات مثله أولا ، والله أعلم] . سيبويه
ولما حبوا من النعم بما تقدم ، وكان منه الجار الحسن ، وكان العيش مع ذلك لا يهنأ إلا بإبعاد جار السوء - أخبروا ببعده وزيدوا سرورا بإهانته في قوله : فأذن أي : بسبب ما أقر به أهل النار على أنفسهم مؤذن بينهم أي : بين الفريقين أن مخففه أو مفسرة في قراءة وأبي عمرو نافع ، وشددها الباقون ونصبوا وعاصم لعنة الله أي : طرد الملك الأعظم وإبعاده على وجه الغضب على الظالمين أي : الذين كانوا مع البيان الواضح يضعون الأشياء في غير مواضعها كحال من لم ير نورا أصلا