والضمير في "آثارهم" إما للنبيين؛ لقوله: "يحكم بها النبيون"، وإما لمن كتبت عليهم تلك الأحكام، والأول أظهر؛ لقوله في موضع آخر: برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم . و "مصدقا" حال من "عيسى"، قال ابن [ ص: 283 ] عطية: وهي حال مؤكدة، وكذلك قال في "مصدقا" الثانية، وهو ظاهر، فإن من لازم الرسول والإنجيل الذي هو كتاب إلهي أن يكونا مصدقين. و "لما" متعلق به، وقوله: "من التوراة" حال؛ إما من الموصول وهو "ما" المجرورة باللام، وإما من الضمير المستكن في الظرف لوقوعه صلة، ويجوز أن تكون لبيان جنس الموصول.
قوله: "وآتيناه" يجوز فيها وجهان، أحدهما: أن تكون عطفا على قوله: "وقفينا"، فلا يكون لها محل، كما أن المعطوف عليه لا محل له، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال عطفا على "مصدقا" الأول، إذا جعل "مصدقا" الثاني حالا من "عيسى" أيضا كما سيأتي، ويجوز أن تكون الجملة حالا، وإن لم يكن "مصدقا" الثاني حالا من "عيسى". وقوله: "فيه هدى" يجوز أن يكون "فيه" وحده حالا من الإنجيل، ، و "هدى" فاعل به؛ لأنه لما اعتمد على ذي الحال رفع الفاعل، ويجوز أن يكون "فيه" خبرا مقدما، و "هدى" مبتدأ مؤخر والجملة حال، و "مصدقا" حال عطفا على محل "فيه هدى" بالاعتبارين، أعني: اعتبار أن يكون "فيه" وحده هو الحال، فعطفت هذه الحال عليه، وأن يكون "فيه هدى" جملة اسمية محلها النصب، و "مصدقا" عطف على محلها، وإلى هذا ذهب إلا أن هذا مرجوح من وجهين، أحدهما: أن أصل الحال أن تكون مفردة، والجار أقرب إلى المفرد من الجمل. الثاني: أن الجملة الاسمية الواقعة حالا الأكثر أن تأتي فيها بالواو، وإن كان فيها ضمير، حتى زعم ابن عطية، - وتبعه الفراء - أن ذلك لا يجوز إلا شاذا، وكون "مصدقا" هذا حالا من "الإنجيل" هو الظاهر، وأجاز [ ص: 284 ] الزمخشري - وتبعه مكي بن أبي طالب - أن يكون "مصدقا" الثاني حالا أيضا من أبو البقاء "عيسى" كرر توكيدا. قال وهذا فيه قلق من جهة اتساق المعاني. قلت: إذا جعلنا "وآتيناه" حالا منه، وعطفنا عليها هذه الحال الأخرى، فلا أدري وجه القلق من الحيثية المذكورة ؟ ابن عطية:
وقوله: "وهدى" الجمهور على النصب، وهو على الحال؛ إما من “الإنجيل"، عطفت هذه الحال على ما قبلها، وإما من "عيسى"؛ أي: ذا هدى وموعظة أو هاديا، أو جعل نفس الهدى مبالغة. وأجاز أن ينتصبا على المفعول من أجله، وجعل العامل فيه قوله تعالى: "آتيناه". قال: وأن ينتصبا مفعولا لهما لقوله: الزمخشري "وليحكم"، كأنه قيل: وللهدى وللموعظة آتيناه الإنجيل وللحكم. وجوز وغيره أن يكون العامل فيه "قفينا"؛ أي: قفينا للهدى والموعظة، وينبغي إذا جعلا مفعولا من أجله أن يقدر إسنادها إلى الله تعالى لا إلى الإنجيل ليصح النصب، فإن شرطه اتحاد المفعول له مع عامله فاعلا وزمانا، ولذلك لما اختلف الفاعل في قوله: أبو البقاء "وليحكم أهل الإنجيل" عدي إليه باللام، ولأنه خالفه أيضا في الزمان، فإن زمن الحكم مستقبل وزمن الأنبياء ماض، بخلاف الهداية والموعظة، فإنهما مقارنان في الزمان للإيتاء. و "للمتقين" يجوز أن يكون صفة لـ "موعظة"، ويجوز أن تكون اللام زائدة مقوية، و "المتقين" مفعول بـ "موعظة"، ولم تمنع تاء التأنيث من عمله؛ لأنه مبني عليها، كقوله: [ ص: 285 ]
1732 -... ... ... ... ورهبة عقابك ... ... ... ...
وقد تقدم الكلام على "الإنجيل" واشتقاقه، وقراءة فيه، بما أغنى عن إعادته. وقرأ الحسن "وهدى وموعظة" بالرفع، ووجهها أنها خبر ابتداء مضمر؛ أي: وهو هدى وموعظة. الضحاك بن مزاحم: