[ ص: 47 ] وقال رحمه الله تعالى فصل حكى أصحابنا - وغيره - عن كالقاضي أبي يعلى في الإمام أحمد أبي بكر هل ثبتت باختيار المسلمين له ؟ أو بالنص الخفي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو البين ؟ " أحدهما " بالاختيار وهو قول جمهور العلماء والفقهاء وأهل الحديث . والمتكلمين : خلافة كالمعتزلة والأشعرية وغيرهم . و " الثانية " بالنص الخفي وهو قول طوائف أهل الحديث والمتكلمين ويروى عن الحسن البصري . وبعض أهل هذا القول يقولون بالنص الجلي . وأما قول " الإمامية " إنها ثبتت بالنص الجلي على علي . وقول " الزيدية الجارودية " إنها بالنص الخفي عليه . وقول " الراوندية " إنها بالنص على العباس . فهذه أقوال ظاهرة الفساد عند أهل العلم والدين . وإنما يدين بها . إما جاهل وإما ظالم . وكثير ممن يدين بها زنديق .
[ ص: 48 ] والتحقيق في " خلافة أبي بكر " وهو الذي يدل عليه كلام أحمد : أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم له وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضى بها ; وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته . فهذه الأوجه الثلاثة : الخبر والأمر والإرشاد : ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم . " فالأول " كقوله : { ابن أبي قحافة فنزع . ذنوبا أو ذنوبين } الحديث وكقوله : { رأيت كأني على قليب أنزع منها فأتى كأن ميزانا دلي من السماء إلى الأرض . فوزنت بالأمة فرجحت ثم وزن عمر } الحديث .
وكقوله : { لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي ثم قال : يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر } . فهذا إخبار منه بأن الله والمؤمنين : لا يعقدونها إلا ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر الذي هم بالنص عليه . وكقوله : { أبا بكر نيط برسول الله } الحديث وقوله : { أري الليلة رجل صالح كأن } وأما " الأمر " فكقوله : { خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا أبي بكر وعمر } وقوله : { اقتدوا بالذين من بعدي الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي } { عليكم بسنتي وسنة أبا بكر } { وقوله : للمرأة التي سألته إن لم أجدك ؟ قال : فأتي وقوله لأصحاب الصدقات : إذا لم تجدوه أعطوها لأبي بكر } ونحو ذلك .
[ ص: 49 ] و " الثالث " تقديمه له في الصلاة وقوله : { أبي بكر } وغير ذلك من خصائصه ومزاياه . وهذه الوجوه الثلاثة الثابتة بالسنة دل عليها القرآن . " فالأول " في قوله : { سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم } الآية : وقوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } وقوله : { وسيجزي الله الشاكرين }
والثاني قوله : { ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون } الآية . والثالث كقوله : { وسيجنبها الأتقى } وقوله : { النبيين والصديقين } وقوله : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } ونحو ذلك . فثبتت صحة خلافته ووجوب طاعته بالكتاب والسنة ; والإجماع وإن كانت إنما انعقدت بالإجماع والاختيار . كما أن الله إذا أمر بتولية شخص أو إنكاحه .
أو غير ذلك من الأمور معه ; فإن ذلك الأمر لا يحصل إلا بعقد الولاية والنكاح والنصوص قد دلت على أمر الله بذلك العقد ومحبته له فالنصوص دلت على أنهم مأمورون باختياره والعقد له وأن الله يرضى ذلك ويحبه .
وأما حصول المأمور به المحبوب : فلا يحصل إلا بالامتثال . فلما امتثلوا ما أمروا به عقدوا له باختيارهم وكان هذا أفضل في حقهم وأعظم في درجتهم .