الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 47 ] وقال رحمه الله تعالى فصل حكى أصحابنا - كالقاضي أبي يعلى وغيره - عن الإمام أحمد في خلافة أبي بكر هل ثبتت باختيار المسلمين له ؟ أو بالنص الخفي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو البين ؟ " أحدهما " بالاختيار وهو قول جمهور العلماء والفقهاء وأهل الحديث . والمتكلمين : كالمعتزلة والأشعرية وغيرهم . و " الثانية " بالنص الخفي وهو قول طوائف أهل الحديث والمتكلمين ويروى عن الحسن البصري . وبعض أهل هذا القول يقولون بالنص الجلي . وأما قول " الإمامية " إنها ثبتت بالنص الجلي على علي . وقول " الزيدية الجارودية " إنها بالنص الخفي عليه . وقول " الراوندية " إنها بالنص على العباس . فهذه أقوال ظاهرة الفساد عند أهل العلم والدين . وإنما يدين بها . إما جاهل وإما ظالم . وكثير ممن يدين بها زنديق .

                [ ص: 48 ] والتحقيق في " خلافة أبي بكر " وهو الذي يدل عليه كلام أحمد : أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم له وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضى بها ; وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته . فهذه الأوجه الثلاثة : الخبر والأمر والإرشاد : ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم . " فالأول " كقوله : { رأيت كأني على قليب أنزع منها فأتى ابن أبي قحافة فنزع . ذنوبا أو ذنوبين } الحديث وكقوله : { كأن ميزانا دلي من السماء إلى الأرض . فوزنت بالأمة فرجحت ثم وزن عمر } الحديث .

                وكقوله : { ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي ثم قال : يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر } . فهذا إخبار منه بأن الله والمؤمنين : لا يعقدونها إلا لأبي بكر الذي هم بالنص عليه . وكقوله : { أري الليلة رجل صالح كأن أبا بكر نيط برسول الله } الحديث وقوله : { خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا } وأما " الأمر " فكقوله : { اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر } وقوله : { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي } { وقوله : للمرأة التي سألته إن لم أجدك ؟ قال : فأتي أبا بكر } { وقوله لأصحاب الصدقات : إذا لم تجدوه أعطوها لأبي بكر } ونحو ذلك .

                [ ص: 49 ] و " الثالث " تقديمه له في الصلاة وقوله : { سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر } وغير ذلك من خصائصه ومزاياه . وهذه الوجوه الثلاثة الثابتة بالسنة دل عليها القرآن . " فالأول " في قوله : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم } الآية : وقوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } وقوله : { وسيجزي الله الشاكرين }

                والثاني قوله : { ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون } الآية . والثالث كقوله : { وسيجنبها الأتقى } وقوله : { النبيين والصديقين } وقوله : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } ونحو ذلك . فثبتت صحة خلافته ووجوب طاعته بالكتاب والسنة ; والإجماع وإن كانت إنما انعقدت بالإجماع والاختيار . كما أن الله إذا أمر بتولية شخص أو إنكاحه .

                أو غير ذلك من الأمور معه ; فإن ذلك الأمر لا يحصل إلا بعقد الولاية والنكاح والنصوص قد دلت على أمر الله بذلك العقد ومحبته له فالنصوص دلت على أنهم مأمورون باختياره والعقد له وأن الله يرضى ذلك ويحبه .

                وأما حصول المأمور به المحبوب : فلا يحصل إلا بالامتثال . فلما امتثلوا ما أمروا به عقدوا له باختيارهم وكان هذا أفضل في حقهم وأعظم في درجتهم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية