وقال الله تعالى: الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
قال : الفسوق: ما أصيب من معاصي الله صيدا كان أو غيره، [ ص: 147 ] وعنه قال: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم . وقال عز وجل: ابن عمر ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم وكان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم، خشية ارتكاب الذنوب فيه: منهم ، ابن عباس ، وكذلك كان وعبد الله بن عمرو بن العاص يفعل، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: الخطيئة فيه أعظم . وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: لأن أخطئ سبعين خطيئة - يعني بغير عمر بن الخطاب مكة - أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة . وعن قال: تضاعف السيئات مجاهد بمكة كما تضاعف الحسنات .
وقال : بلغني أن الخطيئة ابن جريج بمكة بمائة خطيئة، والحسنة على نحو ذلك .
وقال إسحاق بن منصور : قلت في شيء من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة؟ قال: لا، ما سمعنا إلا لأحمد: بمكة لتعظيم البلد "ولو أن رجلا بعدن أبين هم " . وقال كما قال إسحاق بن راهويه ، وقوله: "ولو أن رجلا بعدن أبين هم "، هو من قول أحمد ، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى . وقد تضاعف السيئات بشرف فاعلها، وقوة معرفته بالله، وقربه منه، فإن من عصى السلطان على بساطه أعظم جرما ممن عصاه على بعد، ولهذا توعد الله خاصة عباده على المعصية بمضاعفة الجزاء، وإن كان قد عصمهم منها . ليبين لهم فضله عليهم بعصمتهم من ذلك، كما قال تعالى: ابن مسعود ولولا أن [ ص: 148 ] ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات وقال تعالى: يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما (31) . وكان علي بن الحسين يتأول في آل النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم مثل ذلك لقربهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قوله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وقد روي عن ، قال: كان أهل ابن عباس اليمن يحجون ولا يتزودون . ويقولون: نحن متوكلون، فيحجون، فيأتون مكة، فيسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ، وكذا قال ، مجاهد ، وعكرمة ، وغير واحد من السلف، فلا يرخص في والنخعي إلا لمن انقطع قلبه عن الاستشراف إلى المخلوقين بالكلية . وقد روي عن ترك الكسب بالكلية أنه سئل عن التوكل، فقال: قطع الاستشراف باليأس من الخلق، فسئل عن الحجة في ذلك، فقال: قول أحمد إبراهيم عليه السلام لما عرض له جبريل وهو يرمى في النار، فقال له: ألك حاجة، فقال: أما إليك فلا .
وظاهر كلام أن الكسب أفضل بكل حال، فإنه سئل عمن أحمد فقال: ينبغي للناس كلهم يتوكلون على [ ص: 149 ] الله، ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب . وروى الخلال بإسناده عن يقعد ولا يكتسب ويقول: توكلت على الله، أنه قيل له: لو أن رجلا قعد في بيته زعم أنه يثق بالله، فيأتيه برزقه، قال: إذا وثق بالله حتى يعلم منه أنه قد وثق به لم يمنعه شيء أراده، لكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غيرهم، وقد كان الأنبياء يؤجرون أنفسهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤجر نفسه الفضيل بن عياض وأبو بكر ، ولم يقولوا: نقعد حتى يرزقنا الله عز وجل . وعمر
وقال الله عز وجل: وابتغوا من فضل الله ولا بد من طلب المعيشة . وقد روي عن بشر ما يشعر بخلاف هذا، فروى في "الحلية" أن أبو نعيم بشرا سئل عن التوكل، فقال: اضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب، فقال له السائل: فسره لنا حتى نفقه، قال بشر: اضطراب بلا سكون: رجل يضطرب بجوارحه، وقلبه ساكن إلى الله لا إلى عمله، وسكون بلا اضطراب: فرجل ساكن إلى الله بلا حركة، وهذا عزيز، وهو من صفات الأبدال .