وقال أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم أينما كنتم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة . [ ص: 151 ] وخرج الحسن: في كتاب " حسن الظن " من حديث ابن أبي الدنيا مرفوعا: أبي هريرة "بينما رجل مستلق إذ نظر إلى السماء وإلى النجوم، فقال: إني لأعلم أن لك ربا خالقا، اللهم اغفر لي، فغفر له " .
وعن مورق قال: كان رجل يعمل السيئات، فخرج إلى البرية، فجمع ترابا، فاضطجع عليه مستلقيا، فقال: رب اغفر لي ذنوبي، فقال: إن هذا ليعرف أن له ربا يغفر ويعذب، فغفر له .
وعن مغيث بن سمي، قال: بينما رجل خبيث، فتذكر يوما، فقال: اللهم غفرانك، اللهم غفرانك، اللهم غفرانك، ثم مات فغفر له . ويشهد لهذا ما في "الصحيحين " عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبي هريرة والمعنى ما دام على هذه الحال كلما أذنب استغفر . والظاهر أن مراده الاستغفار المقرون بعدم الإصرار، ولهذا في حديث "أن عبدا أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفر لي . قال الله عز وجل: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا آخر فذكر مثل الأول مرتين أخريين " وفي رواية لمسلم أنه قال في الثالثة: "قد غفرت لعبدي، فليعمل ماشاء" . - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي بكر الصديق وخرجه "ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة" أبو داود . والترمذي
وأما فهو دعاء مجرد إن [ ص: 152 ] شاء الله أجابه، وإن شاء رده . وقد يكون الإصرار مانعا من الإجابة، وفي "المسند" من حديث استغفار اللسان مع إصرار القلب على الذنب، مرفوعا: عبد الله بن عمرو "ويل للذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون " .
وخرج من حديث ابن أبي الدنيا مرفوعا: ابن عباس ورفعه منكر، ولعله موقوف . قال "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه " : ثلاثة لا يستجاب لهم، فذكر منهم: رجل مقيم على امرأة زنى كلما قضى منها شهوته، قال: رب اغفر لي ما أصبت من فلانة، فيقول الرب: تحول عنها، وأغفر لك، فأما ما دمت مقيما عليها، فإني لا أغفر لك، ورجل عنده مال قوم يرى أهله، فيقول: رب اغفر لي ما آكل من مال فلان، فيقول تعالى: رد إليهم مالهم، وأغفر لك، وأما ما لم ترد إليهم، فلا أغفر لك . وقول القائل: أستغفر الله، معناه: أطلب مغفرته، فهو كقوله اللهم اغفر لي، فالاستغفار التام الموجب للمغفرة: هو ما قارن عدم الإصرار، كما مدح الله أهله، ووعدهم المغفرة . قال بعض العارفين: من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته، فهو كاذب في استغفاره، وكان بعضهم يقول: استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير، وفي ذلك يقول بعضهم: الضحاك
أستغفر الله من أستغفر الله . من لفظة بدرت خالفت معناها
[ ص: 153 ] وكيف أرجو إجابات الدعاء وقد سددت بالذنب عند الله مجراها
ما اقترن به ترك الإصرار، وهو حينئذ توبة نصوح، وإن قال بلسانه: أستغفر الله، وهو غير مقلع بقلبه، فهو داع لله بالمغفرة، كما يقول: اللهم اغفر لي، وهو حسن، وقد يرجى له الإجابة، وأما من قال: هو توبة الكذابين، فمراده: أنه ليس بتوبة، كما يعتقده بعض الناس، وهذا حق، فإن التوبة لا تكون مع الإصرار . فأفضل الاستغفار