وقد قال الناس في "سجيل"؛ أقوالا؛ ففي التفسير أنها من جل؛ وحجارة؛ وقال أهل اللغة: هو فارسي معرب؛ والعرب لا تعرف هذا؛ والذي عندي أنه إذا كان هذا التفسير صحيحا فهو فارسي؛ أعرب لأن الله - جل وعز - قد ذكر هذه الحجارة في قصة قوم لوط ؛ فقال: لنرسل عليهم حجارة من طين ؛ فقد تبين للعرب ما عني بـ "سجيل" .
ومن كلام الفرس ما لا يحصى؛ مما قد أعربته العرب؛ نحو: "جاموس"؛ و"ديباج"؛ فلا أنكر أن هذا مما أعرب؛ وقال : تأويله كسيرة شديدة؛ وقال: إن مثل ذلك قول الشاعر: [ ص: 71 ] أبو عبيدة معمر بن المثنى
ورجلة يضربون البيض عن عرض ضربا تواصت به الأبطال سجينا
والبيت لابن مقبل ؛ و"سجين"؛ و"سجيل"؛ بمعنى واحد .
وقال بعضهم: "سجيل"؛ من "أسجلته"؛ أي: أرسلته؛ فكأنها مرسلة عليهم؛ وقال بعضهم: "من سجيل": من "أسجلت"؛ إذا أعطيت؛ فجعله من "السجل"؛ وهو الدلو؛ قال : الفضل بن عباس
من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب
قال - جل وعز -: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ؛ [ ص: 72 ] "سجيل"؛ في معنى "سجين"؛ فالمعنى أنها حجارة مما كتب الله - جل ثناؤه - أنه يعذبهم بها؛ وهذا أحسن ما مر فيها عندي .
فأما قوله: منضود مسومة عند ربك ؛ فمعناه أن بعضها يأتي مع بعض كالمطر؛ وأما "مسومة عند ربك"؛ فروي عن أنها معلمة ببياض؛ وحمرة؛ وقال غيره: "مسومة"؛ بعلامة يعلم بها أنها ليست من حجارة أهل الدنيا؛ وتعلم بسيماها أنها مما عذب الله بها؛ الحسن وما هي من الظالمين ببعيد ؛ قيل: إنها ما هي من ظالمي هذه الأمة ببعيد.