وقد ذكر ؛ سيبويه أن العرب تقول: "لا أدر"؛ فتحذف الياء؛ وتجتزي بالكسر؛ إلا أنهم يزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال؛ والأجود في النحو إثبات الياء؛ والذي أراه اتباع المصحف مع إجماع القراء؛ لأن القراءة سنة. والخليل
وقد جاء مثله في كلام العرب؛ وهذه الآية فيها سؤال أكثر ما يسأل عنه أهل الإلحاد في الدين؛ فيقولون: لم قال: "يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه"؛ و هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون
[ ص: 78 ] وقال في مواضع من ذكر القيامة: فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ؛ وقال: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ؛ وقال: وقفوهم إنهم مسؤولون ؛ وقال: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ؛ ونحن نفسر هذا على ما قالت العلماء المتقدمون في اللغة؛ المسلمون الصحيحو الإسلام؛ قالوا: قوله - عز وجل -: وقفوهم إنهم مسؤولون ؛ الله عالم بأعمالهم؛ فسألهم سؤال توبيخ؛ وتقرير؛ لإيجاب الحجة عليهم.
وقوله: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ؛ أي: لا يسأل ليعلم ذلك منه؛ لأن الله قد علم أعمالهم قبل أن يعملوها؛ وكذلك قوله - عز وجل -: لا ينطقون ؛ أي: لا ينطقون بحجة تجب لهم؛ وإنما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم؛ ولوم بعضهم بعضا؛ وطرح بعضهم الذنوب على بعض.
فأما التكلم والنطق بحجة لهم؛ فلا؛ وهذا كما تقول للذي يخاطبك كثيرا؛ وخطابه فارغ من الحجة: "ما تكلمت بشيء"؛ و"ما نطقت بشيء"؛ فسمي من تكلم بما لاحجة له فيه؛ "غير متكلم"؛ كما قال - عز وجل -: صم بكم عمي فهم لا يرجعون ؛ وهم يبصرون ويسمعون؛ إلا أنهم في أنهم لا يقبلون؛ ولا يفكرون فيما يسمعون؛ ولا يتأتلون؛ بمنزلة الصم؛ قال الشاعر: [ ص: 79 ]
أصم عما ساءه سميع
فهذا قول حسن؛ وقال قوم: ذلك اليوم طويل؛ وله مواضع ومواطن ومواقف؛ في بعضها يمنعون من الكلام؛ وفي بعضها يطلق لهم الكلام؛ فهذا يدل عليه لا تكلم نفس إلا بإذنه ؛ وكلا القولين حسن جميل.