وقد اختلف الناس في تفسير هذه اللام؛ وفي "يدعو"؛ بأي شيء هي معلقة؛ ونحن نفسر جميع ما قالوه؛ وما أغفلوه؛ مما هو بين من جميع ما قالوا؛ إن شاء الله؛ قال البصريون؛ والكوفيون: اللام معناها التأخير؛ المعنى: "يدعو من لضره أقرب من نفعه"؛ ولم يشبعوا الشرح؛ ولا قالوا من أين جاز أن تكون اللام في غير موضعها؛ وشرح ذلك أن اللام لليمين؛ والتوكيد؛ فحقها أن تكون في أول الكلام؛ فقدمت لتجعل في حقها؛ وإن كان أصلها أن تكون في "لضره"؛ كما أن لام "إن"؛ حقها أن تكون في الابتداء.
فلما لم يجز أن تلي "إن"؛ جعلت في الخبر؛ في مثل قولك: "إن زيدا لقائم"؛ ولا يجوز "إن لزيدا قائم"؛ فإذا أمكن أن يكون ذلك في الاسم؛ كان ذلك أجود الكلام؛ تقول: "إن في ذلك لآية"؛ فهذا قول؛ وقالوا أيضا: إن "يدعو"؛ معها هاء مضمرة؛ وإن "ذلك"؛ في موضع رفع؛ و"يدعو"؛ في موضع الحال؛ المعنى: "ذلك هو الضلال البعيد يدعوه"؛ المعنى: "في [ ص: 416 ] حال دعائه إياه"؛ ويكون "لمن ضره أقرب من نفعه"؛ مستأنفا؛ مرفوعا بالابتداء؛ وخبره: لبئس المولى ولبئس العشير ؛ وفيه وجه آخر؛ ثالث؛ يكون "يدعو"؛ في معنى "يقول"؛ يكون "من"؛ في موضع رفع؛ وخبره محذوف؛ ويكون المعنى: "يقول: لمن ضره أقرب من نفعه؛ هو مولاي"؛ ومثله - "يدعو"؛ في معنى "يقول" - في قول عنترة :
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
ويجوز أن يكون "يدعو"؛ في معنى "يسمي"؛ كما قال ابن أحمر :أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
ووجه هذا القول الذي قبله؛ وفيها وجه رابع؛ وهو الذي أغفله الناس؛ أن "ذلك"؛ في موضع نصب؛ بوقوع "يدعو"؛ عليه؛ ويكون "ذلك"؛ في تأويل "الذي"؛ ويكون المعنى: "الذي هو الضلال البعيد يدعو"؛ ويكون "لمن ضره أقرب من نفعه"؛ مستأنفا؛ وهذا مثل قوله: وما تلك بيمينك ؛ على معنى: "وما التي بيمينك يا موسى ؟"؛ ومثله قول الشاعر: [ ص: 417 ]
عدس ما لعباد عليك إمارة نجوت وهذا تحملين طليق