مثل عمال الله
مثل عمال الله تعالى مثل ملك دعا خياطا فقال له اقطع هذا الثوب وخطه بين يدي فلم يأل هذا الخياط جهدا في إظهار حذقه وخفة يده فلما غاب عنه ترك خفة اليد وحسن الابتداء ووجازة الفعل ولكن أحكم الخياطة وأتقنها وزينها لأنه ذاكر للعرض عليه
والآخر رجل دعاه الملك فقال اذهب بهذا الثوب فاقطعه وخطه وأنفذه إلى فلان الراعي فإذا غاب عنه رفع عنه باله فكيفما قطعه وخاطه جوزه لأنه لم يشعر برؤية الملك ولا ذكر العرض عليه وإنما به ارتفاع العمل فيقول قد عملت وآخذ الأجرة
وإنما جرأه على ذلك غفلته عن رؤية الملك وعن العرض عليه
فكذا عمال الله تعالى على ثلاث طبقات فعامل يعمل لله كأنه [ ص: 232 ] يراه وعامل كأنه يراه الله وهو قوله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
فقال جبريل صلوات الله عليه فإذا فعلت هذا فأنا محسن قال نعم قال صدقت فهي درجة المحسنين
فالأول يعمل لله كأنه يرى ربه مشاهدة والآخر يعمل كأنه يراه ربه
فالأول قد أخذته رؤيته ربه والثاني قد أخذته رؤية ربه إياه
فالأول أعلى من الثاني لأنه قد كشف له الغطاء ورفع الحجاب فيما بينه وبين ربه وهو قول رضي الله عنه حين كلمه ابن عمر رضي الله عنهما في الطواف فلم يجبه إلى أن قال ما قال فلما خرج قال إنك قد كلمتني وإنا كنا نتخايل الله بين أعيننا عروة بن الزبير
وروي عن رحمه الله أنه قال مكتوب في التوراة يا ابن مالك بن دينار آدم لا تعجزن أن تقوم بين يدي في صلاتك باكيا فإني أنا الله الذي اقتربت لقلبك وبالغيب رأيت نوري
فهذا لمن رفع له الحجاب حتى رأى نوره وهو أعلى
[ ص: 233 ] والثاني رفع الحجاب له بقدر ما رأى أنه ينظر إليه ويراه ولم يعد
وأما سوى الروية وهو قوله صلى الله عليه وسلم فهذا الثاني يعمل وقلبه إلى العرض الأكبر وهو قوله تعالى (فإن لم تكن تراه فإنه يراك يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فيجهد لهذه وليس له زينة العمل وإنما له إحكامه فهذا صادق والأول صديق هذا محجوب والأول من وراء الحجاب قد انكشف له الغطاء فبه يعمل
من يعمل على الغفلة
وعامل ثالث يعمل على الغفلة ليس على قلبه ذكر المشاهدة ولا ذكر العرض إنما هي عادة النفس تعمل بأعمال البر على العادة والجزاف وعلى ترائي الثواب من غير تصحيح ولا طهارة القلب ولا تتوقى فأعماله توضع في الخزائن ليحصل ما في [ ص: 234 ] صدره يوم العرض فإن الله تعالى كان شاهدا عليه في وقت عمله لا يخفى عليه شيء فقد قال الله جل ذكره يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير
والصادق يعرض على الله تعالى حين ينظر إليه فإذا وقعت نظرته إليه أشرق لنظرته نور العمل فازداد نورا وازداد قلب العامل في الأرض نورا لأن الأعمال ترفع إلى الله تعالى والنية فيه باقية وهي أصل العمل التي منها بدأ العمل فمضى العمل إلى الله تعالى
وأصل العمل باق في القلب متصل بالعمل 79 فإذا وقعت نظرة الله على العمل فأشرق وازداد نورا خالصا وتأدى ذلك إلى هذا الأصل فأشرق القلب بما تأدى من النور وهي النية فهذا شأن الصديقين والصادقين وهذا تفسير القبول
[ ص: 235 ] وإنما قيل قبول لأنه عرض على الله فيكون في قبالة وجهه الكريم حيث نظر إليه وما لم يعرض عليه ووضع في الخزائن فذاك لتخليط فيه حتى يحصل يوم القيامة وإنما يظهر قبوله ورده يوم القيامة وهذا الذي عرض قبالة وجهه ظهر قبوله في الحال مثل الواعظ