[ ص: 44 ] باب
ذكر ، فيختلس ، أو يخفى ، أو يشم كيفية نقط ما لا يشبع من الحركات
اعلم أن الحركة المختلسة والمخفاة والمرامة والمشمة في الحقيقة والوزن بمنزلة المشبعة ، إلا أن الصوت لا يتم بتلك ، ولا يمطط اللفظ بها ، فتخفى لذلك على السامع ، حتى ربما ظن أن الحرف المتحرك عار من الحركة ، وأنه مسكن رأسا ؛ لسرعة النطق بالمختلسة ، وتضعيف الصوت وتوهينه بالمخفاة والمرامة . والمشبعة يمطط بها اللفظ ، ويتم بها الصوت ، فتبدو محققة .
فإذا نقط مصحف على مذهب من يختلس حركة بعض الحروف طلبا للخفة ، وتسهيلا للفظ ، ويشبع حركة بعضها ليدل على جواز الوجهين ، واستعمال اللغتين ، وأن القراءة سنة تتبع ، وهو مذهب ، من رواية البصريين عنه ، فلتجعل علامة الحركة المختلسة ، إن كانت فتحة ، نقطة فوق الحرف . وإن كانت كسرة ، نقطة تحته . وإن كانت ضمة ، نقطة فيه أو أمامه . أبي عمرو بن العلاء
[ ص: 45 ] ولتجعل علامة الحركة المشبعة ، إن كانت فتحة ، ألفا مضجعة ، وقال : بعض ألف ممالة ، وإن كانت كسرة ، ياء مردودة صغرى ، وإن كانت ضمة ، واوا صغرى . قال سيبويه : فأما الذين يشبعون فيمططون ، وعلامتهما ياء وواو . سيبويه
قال : وهذا عند أهل النقط في المختلف فيه من الحركات خاصة دون المتفق عليه منهن . أبو عمرو
فأما الفتحة المختلسة في مذهبه ففي الهاء والخاء ، من قوله : أمن لا يهدي في يونس ، و " هم يخصمون " في ( يس ) . وأما الكسرة المختلسة ففي قوله تعالى : إلى بارئكم ، و عند بارئكم ، وفي قوله : أرنا ، و أرني حيث وقعا . وأما الضمة المختلسة ففي نحو قوله : يأمركم ، و يأمرهم ، و " ما يشعركم " ، و ينصركم .
وأما الحركة المشبعة في مذهبه ؛ ففي ما عدا هؤلاء الكلم ، نحو قوله : يبشرهم ، و لا يحزنهم ، و ويحذركم ، و يسيركم ، وما أشبهه مما تتوالى فيه الحركات .
[ ص: 46 ] ونقط الحركة المخفاة والمرامة كنقط المختلسة سواء ، يجعل في موضعها نقطة فقط . فإذا نقط قوله تعالى : فنعما ، و لا تعدوا ، و يهدي ، و يخصمون ، على مذهب من أخفى حركة العين والهاء والخاء في هؤلاء الكلم من أئمة القراءة جعل تحت العين من فنعما نقطة ، وفوق العين والهاء والخاء من تعدوا ، و يهدي ، و يخصمون نقطة .
وإذا نقط جميع ما تقدم ، مما اختلس الحركة فيه أو أخفاها أو رامها هو وغيره ، على مذهب من أشبعها فيه جعل علامة الفتحة في قوله : أبو عمرو لا تعدوا ، و يهدي ، و يخصمون ألفا صغرى مضجعة فوق العين والهاء والخاء كما ترى ، وجعل علامة الكسر في قوله : بارئكم ، و أرنا ، و أرني ، و فنعما ياء صغرى تحت الهمزة والراء والعين كما ترى ، وجعل علامة الضمة في قوله : يأمركم و يأمرهم ، و ينصركم ، و يشعركم واوا صغرى أمام الراء أو فوقها كما ترى .
فتكون النقط وهذه الحروف الثلاثة فرقا بين ما لم يتم الصوت به من [ ص: 47 ] الحركات ، ولم يشبع اللفظ به منهن ، وبين ما أتم به الصوت ، ومطط به النطق . ويميز الجنسان ، ويبين النوعان ، وتدرك حقيقتهما بذلك .
فإن قال قائل : لم جعلتم علامة الحركة المشبعة في هذا الضرب ألفا وياء وواوا ، وقد أنكرتم ذلك قبل في سائر الحركات ، ودللتم على صحة ذلك بالخبر الذي رويتموه عن مبتدئ النقط ؟ قيل له : جعلنا ذلك علامتها فيه ؛ ليمتاز الاختلاف ، ويرتفع الإشكال في معرفة الحركة المشبعة وغير المشبعة . ألا ترى أنا لم نستعمل ذلك فيما اتفق على إشباع الحركة فيه ، إذ لم يحتج إلى تمييز ولا فرقان ؟ هذا مع اقتدائنا في ذلك بمن سنه من علماء اللغة ومتقدمي النحاة ، وهو أبي الأسود - رحمه الله - ، وعامة أصحابه ، إذ عدمنا الرواية فيه عمن تقدمه ممن ابتدأ بنقط المصاحف من التابعين وغيرهم . الخليل بن أحمد
فصل
قال : فأما الحركة المشمة في نحو قوله : أبو عمرو سيء ، و سيئت ، و قيل ، و " غيض " ، و " سيق " ، و " حيل " ، و " جايء " ؛ فحقيقتها أن ينحى بكسرة أوائل هذه الأفعال نحو الضمة يسيرا ؛ ليدل بذلك على أن الضم الخالص أصلها ، كما ينحى بالفتحة الممالة نحو الكسرة [ ص: 48 ] قليلا ؛ ليدل بذلك أيضا على انقلاب الألف عن الياء ، وليقرب بذلك من كسرة قبلها وبعدها .
فإذا نقطت هذه الحروف على قراءة من أشم أولها الضم ؛ جعل أمام السين والقاف والغين والحاء والجيم نقطة بالحمراء ليدل بذلك على إشمامها ، وأنه نحي بكسرتها نحو تلك الضمة . وإن تركت الحروف عارية من تلك النقطة ، وأخذ ذلك مشافهة عن القراء كان حسنا ؛ لأن القارئ ربما أشبع تلك الضمة ، وأخلصها ، فخرج بذلك عن مذاهب أئمة القراءة . فإن لم يفعل ذلك ، ونحا بالكسرة في ذلك نحو الضمة ، كما يجب ، فجعل النقطة دلالة على ذلك أبين وأدل على النطق .
فصل
وأما الفتحة الممالة في نحو قوله : النار ، و النهار ، و الكافرين ، و النصارى ، و أسارى ، وما أشبه ذلك مما تمال فتحته ، لكسرة تليها ، أو لألف تمال بعدها ، لكسرة أو ياء ، فإنه إن نقطت هذه الفتحة جعلت نقطة تحت الحرف الذي هي عليه ، كما تجعل الكسرة سواء . وذلك من حيث قربت بالإمالة منها . فلذلك جرت في النقط مجراها . كما فعل بالكسرة المشمة المنحو بها نحو الضمة ، فيما تقدم ، حين جعلت ضمة لذلك . وإن خيف إخلاص تلك الكسرة ترك الحرف عاريا منها ، إلى أن تأتي المشافهة على ذلك . وبالله التوفيق .