( ويعفى ) وكل ما لا نفس له سائلة وعن قليل بول الخفاش . والقياس أن روثه وبول الذباب كذلك كما أفاده في الثوب والبدن ( عن قليل دم البراغيث ) والقمل والبق ( وونيم الذباب ) الشيخ رحمه الله تعالى ، إذ كل ذلك مما تعم به البلوى ويعسر الاحتراز عنه . والبق هو البعوض قاله في الصحاح ، والظاهر كما قاله الشيخ شموله للبق المعروف ببلادنا ( والأصح ) أنه [ ص: 30 ] ( لا يعفى عن كثيره ) لندرته وعدم مشقة الاحتراز عنه ( ولا ) عن ( قليل انتشر بعرق ) لمجاوزته محله .
( وتعرف الكثرة ) وضدها ( بالعادة الغالبة ) فما يغلب عادة التلطخ به ، ويعسر الاحتراز عنه عادة قليل ، وما زاد عليه كثير ، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات والبلاد ، ولا يبعد جريان ضابط طين الشارع هنا ، ولو شك في شيء أقليل هو أم كثير فله حكم القليل ; لأن الأصل في هذه النجاسات الآتية العفو إلا إذا تيقنا الكثرة ، والثاني العفو عنهما ; لأن الغالب في هذا الجنس عسر الاحتراز فيلحق غير الغالب منه بالغالب ، كالمسافر يترخص ، وإن لم تنله مشقة لا سيما والتمييز بين القليل والكثير كما يوجب المشقة لكثرة البلوى به ولهذا رجحه فقال ( قلت : الأصح عند المحققين العفو مطلقا ، والله أعلم ) قليلا أم كثيرا انتشر بعرق أم لا تفاحش ، وغلب على الثوب أم لا خلافا للأذرعي . وسواء أقصر كمه أم زاد على الأصابع خلافا للإسنوي .
والأوجه أن دم البراغيث الحاصل على حصر نحو المسجد ممن ينام عليها كذرق الطيور خلافا لابن العماد ، ومحل ذلك في ثوب ملبوس أصابه الدم من غير تعد ، فلو كانت الإصابة بفعله قصدا كأن قتلها في ثوبه [ ص: 31 ] أو بدنه أو حمل ثوب نحو براغيث وصلى فيه أو فرشه وصلى عليه أو كان زائدا على ملبوسه لا لغرض من تجمل ونحوه لم يعف إلا عن القليل كما في التحقيق والمجموع وغيرهما . ولو نام في ثوبه فكثر فيه دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا لمخالفته السنة من العري عند النوم ، ذكره ابن العماد بحثا ، وهو محمول على عدم احتياجه للنوم فيه ، وإلا عفي عنه ، ثم محل العفو هنا ، وفي نظائره الآتية بالنسبة للصلاة .
فلو وقع المتلوث بذلك في ماء قليل نجسه ، ولا فرق في العفو بين البدن الجاف والرطب ، وهو ظاهر بالنسبة للرطوبة الحاصلة من عرق ونحو ماء وضوء وغسل وحلق أو ما يتساقط من الماء حال شربه أو من الطعام حال أكله أو بصاق في ثوبه أو مماس آلة نحو فصاد من ريق أو دهن وسائر ما احتيج إليه وغير ذلك مما لا يشق الاحتراز عنه ، ولا يكلف تنشيف البدن لعسره خلافا لابن العماد فيعفى عن قليله وكثيره ، وإن كثر وانتشر ; لأنه من جنس ما يتعذر الاحتراز عنه فألحق نادره بغالبه كما مر ما لم يكن بفعله ، وإلا فالعفو خاص حينئذ بالقليل ( وقيل إن عصره فلا يعفى عنه ) للاستغناء عنه وحصوله بفعله ، وظاهر عبارة ( ودم البثرات ) بالمثلثة خراج صغير ( كالبراغيث ) المصنف أن الأصح العفو عنه مع العصر ولو [ ص: 32 ] كان كثيرا ، وهو ما اقتضاه كلام الروضة وأصلها وليس كذلك كما يعلم مما مر .
فيعفى عن دمها ، وإن كثر على ما مر ; لأنها ، وإن لم تكن غالبة ليست نادرة ( والأصح ) عند ( والدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة قيل كالبثرات ) الرافعي أنها ليست مثلها ; لأنها لا تكثر كثرتها بل يقال في جزئيات دمها ( إن كان مثله يدوم غالبا فكالاستحاضة ) أي كدمها فيلزمه الاحتياط حسب الإمكان بأن يزيل ما أصابه منه ويعصب محل خروجه عند إرادته الصلاة كما مر نظيره في المستحاضة ، ويعفى بعد الاحتياط عما يشق الاحتراز عنه ولو من دم استحاضة ، وإن لم يعف عن شيء من دم المنافذ كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ( وإلا ) بأن كان مثله لا يدوم غالبا ( فكدم الأجنبي ) يصيبه ( فلا يعفى ) عنه أي عن شيء من المشبه والمشبه به ، وجعله بعض الشروح راجعا للأول وحده وبعضهم للثاني وحده وما قلناه أفيد .
( وقيل يعفى عن قليله ) كما قيل به في دم الأجنبي ( قلت : الأصح أنها ) أي دم الدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة ( كالبثرات ) فعفي عن قليلها وكثيرها ما لم يكن بفعل أو يجاوز محله . وحاصل ما في الدماء أنه يعفى عن قليلها ولو من أجنبي غير نحو كلب ، وكثيرها من نفسه ما لم يكن بفعله أو يجاوز محله فيعفى حينئذ عن قليلها فقط . وما وقع في التحقيق والمجموع في دم البثرات ونحوها من كونه كدم الأجنبي محمول على ما حصل بفعله أو انتقل عن محله .
وقضية قول الروضة لو خرج من جرحه دم متدفق ، ولم يلوث بشرته لم تبطل صلاته أنه إذا لوث أبطل : أي إن كثر كما أفهمه كلام المتولي : أي وجاوز محله أخذا مما مر ( والأظهر العفو عن قليل ) دم ( الأجنبي ) [ ص: 33 ] من غير نحو كلب ولو من نفسه بأن عاد إليه بعد انفصاله عنه كما أفاده الأذرعي ( والله أعلم ) لوقوع القليل في محل المسامحة إذ جنس الدم مما يتطرق له العفو ، والقليل كما في الأم ما تعافاه الناس : أي عدوه عفوا .
والثاني لا يعفى عنه مطلقا لسهولة التحرز عنه ، وشمل قوله : قليل دم الأجنبي ما لو كان القليل متفرقا ولو جمع لكثر ، وهو الراجح : أما دم المغلظ من نحو كلب فلا يعفى عن شيء منه لغلظه كما نقله في المجموع عن البيان وأقره ، بل نقل عن نص الإمام أيضا ولو لطخ نفسه بدم أجنبي عبثا لم يعف عن شيء منه لارتكابه محرما فلا يناسبه العفو كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .