[ ص: 133 ] ( كتاب صلاة الجماعة ) وأحكامها . وهي مشروعة لقوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية . أمر بها في الخوف ، ففي الأمن أولى وللأخبار الآتية والإجماع عليها لخبر { . وأقلها إمام ومأموم } ( هي ) أي الاثنان فما فوقهما جماعة ( في الفرائض ) أي المكتوبات ( غير ) بالنصب كما قاله الجماعة الشارح بمعنى إلا أعربت إعراب المستثنى وأضيفت إليه كما هو مذكور في فن النحو ، وإنما امتنع الجر ; لأنها لا تعرف بالإضافة إلا إن وقعت بين ضدين ، وقد يقال : إن اللام للجنس فلا يضر الوصف بالنكرة ; لأن المعرف بها في المعنى كالنكرة ، ويجوز نصبها على الحال ( الجمعة ) لما يأتي أنها فرض عين فيها ، وشرط لصحتها بالاتفاق ( سنة مؤكدة ) لخبر { } أي [ ص: 134 ] بالمعجمة { صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ } في رواية { بسبع وعشرين درجة } ولا منافاة كما في المجموع ; لأن القليل لا ينفي الكثير ، أو أنه أخبر أولا بالقليل ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بها ، أو أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المصلين ، أو أن الاختلاف بحسب قرب المسجد وبعده ، أو أن الأولى في الصلاة الجهرية والثانية في السرية ; لأنها تنقص عن الجهرية بسماع قراءة الإمام والتأمين لتأمينه . بخمس وعشرين درجة
ومكث صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بمكة ثلاث عشرة سنة يصلي بغير جماعة ; لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مقهورين يصلون في بيوتهم ، فلما هاجروا إلى المدينة أقام الجماعة وواظب عليها ، وحكمة كونها بسبع وعشرين كما أفاده السراج البلقيني أن الجماعة ثلاثة والحسنة بعشر أمثالها فقد حصل لكل واحد عشرة فالجملة ثلاثون لكل واحد رأس ماله واحد يبقى تسعة تضرب في ثلاثة بسبعة وعشرين ، وربنا جل وعلا يعطي كل إنسان ما للجماعة فصار لكل سبعة وعشرون ، وحكمة أن أقل الجماعة اثنان كما قاله أن ربنا جل وعلا يعطيهما بمنه وكرمه ما يعطي الثلاثة ، وقد أوضح ذلك غاية الإيضاح مع زيادة حكم لذلك الجلال السيوطي في الأمالي وأفرده في جزء سماه [ معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال ] وأل [ ص: 135 ] في الفرائض للعهد الذكري المتقدم في قوله أول كتاب الصلاة المكتوبات خمس فهو مساو لقول أصله في الخمس ولا اعتراض عليه حينئذ .
وخرجت المنذورة التي لا تشرع فيها جماعة فلا تسن الجماعة فيها لاختصاصها بأنها شعار المكتوبة كالأذان ، وفي المجموع في باب هيئة الجماعة أن من صلى في عشرة آلاف له سبع وعشرون ، ومن صلى مع اثنين له ذلك لكن درجات الأول أكمل ( وقيل ) هي ( فرض كفاية للرجال ) البالغين العقلاء الأحرار المستورين المقيمين في المؤداة فقط لخبر { } أي غلب ، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، وخرج بالرجال غيرهم وسيأتي ، وبالبالغين : الصبيان ، وبالعقلاء : أضدادهم فلا تصح منهم كما مر في بابه ، وبالأحرار : من فيه رق ولو مبعضا ، وإن كان بينه وبين سيده مهايأة ، والتوبة له سواء انفرد الأرقاء ببلد أم لا خلافا لمن رجح خلاف ذلك ، وسيأتي حكم الأجراء في باب الإجارة إن شاء الله تعالى ، وبالمستورين : العراة فلا تكون فرضا عليهم بل هي والانفراد في حقهم سواء ، إلا أن يكونوا عميا أو في ظلمة فتستحب لهم ، وبالمقيمين : المسافرون فلا تجب عليهم كما نقله في الروضة عن [ ص: 136 ] ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان الإمام وأقره ، وجزم به في التحقيق ، وما نقل عن ظاهر النص المقتضي لوجوبها محمول على نحو عاص بسفره ، وبالمؤداة المقضية فلا تكون فرضا فيها بل هي سنة إن كانت من نوعها ، فإن كانت من غير نوعها لم تسن أيضا ، ومتى كانت فرض كفاية ( فتجب ) إقامتها ( بحيث يظهر ) بها ( الشعار ) أي شعار الجماعة في تلك المحلة بإقامتها في كل مؤداة من الخمس بجماعة ذكور أحرار بالغين فيما يظهر كرد السلام ، بخلاف صلاة الجنازة فإن مقصودها الدعاء وهو من الصغير أقرب إلى الإجابة ; لأنه لا ذنب عليه ، فإن كانت كبيرة اشترط تعددها فيها بادية أو غيرها ، ولا يكفي فعلها في نحو محل ولا في البيوت ، وإن ظهرت في الأسواق ; لأن الشعار لا يحصل بذلك ، ومقتضى هذا التعليل أنه إذا ظهر بها الشعار الاكتفاء بذلك ، وهو المعتمد كما نقله عن القاضي أبو الطيب أبي إسحاق ، كأن فتحت أبوابها بحيث لا يحتشم كبير ولا صغير من دخولها ، ومن ثم كان الأوجه الاكتفاء بإقامتها في الأسواق إن كانت كذلك ، وإلا فلا ; لأن لأكثر الناس مروءات تأبى دخول بيوت الناس والأسواق .
ولا يشترط إقامتها بجمهورهم بل تسقط بطائفة قليلة ظهر الشعار بهم ، وقد أفتى الوالد رحمه الله تعالى في طائفة مسافرين أقاموا الجماعة في بلدة [ ص: 137 ] وأظهروها هل يحصل بهم ويسقط بفعلهم الطلب عن المقيمين بعدم حصول الشعار بهم وأنه لا يسقط بفعلهم الطلب عن المقيمين ، فقد قال المصنف : إذا حصلت الجماعة ، ولا إثم على المتخلفين كما لو صلى الجنازة طائفة يسيرة ، هكذا قاله غير واحد ، وأفتى الوالد رحمه الله تعالى أيضا في أقام الجماعة طائفة يسيرة من أهل البلدة ولم يحضرها جمهور المقيمين في البلد بأنه يسقط عنهم طلب الجماعة لتأدي شعارها بصلاتهم ، وإن كانت تلك الفريضة الجمعة وتلزم أهل البوادي الساكنين بها . أهل قرية صلوا ركعة من فريضة في جماعة ثم نووا قطع القدوة وأتموها منفردين
وأما في القرية الصغيرة فلا يشترط تعددها فيها ; لحصول الفرض بدونه . وضبط الشيخ القرية الصغيرة بأن يكون فيها نحو ثلاثين رجلا . والظاهر أنه تقريب ، بل لو ضبط ذلك بالعرف لكان أقرب إلى المعنى ، وكلامهم بمحل في القرية الصغيرة وفي الكبيرة والبلد بمحلين مثلا مفروض فيما لو كان بحيث يمكن من يقصدها إدراكها من غير كبير مشقة فيها فيما يظهر ، فلا يشترط إقامتها في كل محلة منها خلافا لجمع ( فإن ) أبو حامد ( قوتلوا ) أي قاتل الإمام أو نائبه الممتنعين لإظهار هذا الشعار العظيم [ ص: 138 ] ولا يقاتلهم على ترك السنة ( ولا يتأكد ( امتنعوا كلهم ) من فعلها بأن لم يفعلها أحد أو فعلت لا على الوجه المذكور تأكده للرجال ) لمزيتهم عليهن بناء على أنها سنة لهن ( في الأصح ) لخشية المفسدة فيهن وكثرة المشقة عليهن ; لأنها لا تتأتى غالبا إلا بالخروج إلى المساجد فيكره تركها لهم لا لهن ، الندب للنساء كالنساء ، ومقابل الأصح نعم ; لعموم الأدلة ( والخناثى قلت : الأصح المنصوص أنها ) عند وجود سائر شروطها المتقدمة ( فرض كفاية ) للخبر السابق فليست فرض عين لخبر الشيخين المار فإن المفاضلة تقتضي جواز الانفراد ، وذكر أفضل في الخبر قبله محمول على من صلى منفردا لقيام غيره بها أو لعذر كمرض .
أما إذا اختل شرط مما مر فلا تجب بل تارة تسن وتارة لا وتسن لمميز . نعم يلزم وليه أمره بها ليتعودها إذا كمل ( وقيل ) هي فرض ( عين ، والله أعلم ) للخبر المتفق عليه { } وقد أجيب عنه بأنه وارد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى ، والسياق يؤيده ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرقهم ، وإنما هم بتحريقهم . لا يقال : لو لم يجز تحريقهم لما هم به ; لأنا نقول : لعله هم بالاجتهاد ثم نزل وحي بالمنع أو تغير الاجتهاد ذكره في المجموع أو أنه كان قبل تحريم المثلة ، وعلى القول بأنها فرض عين فليست شرطا في صحة الصلاة كما في المجموع . لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال معهم [ ص: 139 ] حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار