( ويقدم الأفقه والأقرأ ) أي كل منهما وكذا الأورع ( على الأسن والنسيب ) فعلى أحدهما أولى ; لأن الفضيلة كل من الأولين لها تعلق تام بصحة الصلاة أو كمالها بخلاف الأخيرين . ولو كان الأفقه أو الأقرأ أو الأورع صبيا أو قاصرا في سفره أو فاسقا أو ولد زنا أو مجهول الأب فضده أولى كما مرت الإشارة إلى بعض ذلك ، إلا أن يكون المسافر السلطان أو نائبه فهو أحق ، وأطلق جمع كراهة إمامة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه وهي مصورة بكون ذلك في ابتداء الصلاة ولم يساوه المأموم ، فإن ساواه أو وجده قد أحرم واقتدى به فلا بأس ( والجديد تقديم الأسن ) في الإسلام ( على النسيب ) لخبر الشيخين { ليؤمكم أكبركم } ولأن فضيلة الأسن في ذاته والنسيب في آبائه ، وفضيلة الذات أولى .
وعكسه القديم لخبر { قدموا قريشا ولا تقدموها } وعلم أنه لا عبرة بسن في غير الإسلام ، فيقدم شاب أسلم أمس على شيخ أسلم اليوم ، فإن أسلما معا قدم الشيخ كما يدل عليه الخبر ، وبحثه الطبري ويقدم [ ص: 183 ] من أسلم بنفسه على من أسلم بتبعيته لغيره ، وإن تأخر إسلامه ; لأن فضيلته في ذاته ، قاله البغوي . قال ابن الرفعة : وهو ظاهر إذا كان إسلامه قبل بلوغ من أسلم تبعا ، أما بعده فيظهر تقديم التابع .
والمراد بالنسيب من ينسب إلى قريش أو غيره ممن يعتبر في الكفاءة كالعلماء والصلحاء فيقدم الهاشمي والمطلبي ثم سائر قريش ثم العربي ثم العجمي ، ويقدم ابن العالم أو الصالح على ابن غيره . وتعتبر الهجرة أيضا فيقدم أفقه فأقرأ فأروع فأقدم هجرة بالنسبة لآبائه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنسبة لنفسه إلى دار الإسلام فأسن فأنسب ، فعلم أن المنتسب للأقدم هجرة مقدم على المنتسب لقريش مثلا ، وأن ذكر النسب لا يغني عن ذكر الأقدم هجرة .
( فإن ) ( استويا ) في جميع الصفات التي ذكرناها ( فنظافة ) الذكر كما في التحقيق : أي حسنه ، ثم نظافة ( الثوب والبدن ) عن الأوساخ ( وحسن الصوت وطيب الصنعة ونحوها ) لإفضاء النظافة إلى استمالة القلوب وكثرة الجمع ، والكسب كالنظافة ، فمن كان كسبه أفضل أو أنظف قدم به ، ولو تعارضت الصفات بعد حسن الذكر قدم الأنظف ثوبا ثم بدنا ثم صنعة ثم الأحسن صوتا فصورة ، فإن استويا وتشاحا أقرع بينهما ، ومحل ذلك عند فقد الإمام الراتب أو إسقاط حقه للأولى ، وإلا قدم الراتب على الجميع ، وهو من ولاه الناظر أو كان بشرط الواقف .


