( الرابع ) من الشروط ( الجماعة ) إجماعا ممن يعتد به فلا تصح فرادى إذ لم ينقل فعلها كذلك ، والجماعة شرط في الركعة الأولى فقط . أما العدد فشرط في جميعها كما سيأتي ، فلو أجزأتهم الجمعة ( وشرطها ) أي الجماعة فيها ( كغيرها ) من الجماعات كنية الاقتداء والعلم بأفعال الإمام مما مر في الجماعة إلا في نية الإمامة فتجب هنا على الأصح لتحصل له الجماعة ( و ) اختصت باشتراط أمور أخر : منها ( أن ) صلى الإمام بأربعين ركعة ثم أحدث فأتم كل لنفسه ، وإن كان بعضهم صلاها في قرية أخرى كما بحثه [ ص: 305 ] بعضهم فلا تنعقد بدونهم لخبر ( تقام بأربعين ) منهم الإمام كعب بن مالك قال أول من جمع بنا في المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة المدينة نقيع الخضمات وكنا أربعين ، وخبر { ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة وكانوا أربعين رجلا } ولقول مضت السنة أن { جابر } أخرجه في كل ثلاثة إماما ، وفي كل أربعين جمعة ، وقول الصحابي مضت السنة كقوله قال صلى الله عليه وسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم { الدارقطني إذا اجتمع أربعون رجلا فعليهم الجمعة } .
وقوله صلى الله عليه وسلم { لا جمعة إلا في أربعين } وأما خبر انفضاضهم فلم يبق إلا اثنا عشر فليس فيه أنه ابتدأها باثني عشر ، بل يحتمل عودهم أو عود غيرهم مع سماعهم أركان الخطبة ومحل ذلك في غير صلاة ذات الرقاع ، أما فيها فيشترط زيادتهم على الأربعين ليحرم الإمام بأربعين ويقف الزائد في وجه العدو ، ولا يشترط بلوغهم أربعين على الصحيح لأنهم تبع للأولين أن يكون مسلما أخذا مما مر ( مكلفا ) أي بالغا عاقلا ( حرا ) كله ( ذكرا ) فلا تنعقد بالكفار وغير المكلفين ومن فيه رق ، وبالنساء والخناثى لنقصهم ، بخلاف المريض فإنها إنما لم تجب عليه رفقا به لا لنقصه ، ولا تنعقد بأربعين وفيهم أمي لارتباط صحة صلاة بعضهم ببعض فصار كاقتداء القارئ بالأمي كما نقله وشرط لكل واحد من العدد المعتبر عن فتاوى الأذرعي البغوي ، وظاهر أن محله إذا قصر الأمي في التعلم ، وإلا فتصح الجمعة إن كان الإمام قارئا وعلم مما تقرر أن علة بطلان صلاتهم تقصيرهم لا ارتباط صلاة بعضهم ببعض ، ومعلوم مما مر في صفة الأئمة أن الأميين إذا لم يكونوا في درجة لا يصح اقتداء بعضهم ببعض [ ص: 306 ] لأن الجماعة المشترطة هنا للصحة صيرت بينهم ارتباطا كالارتباط بين صلاة الإمام والمأموم فصار كاقتداء قارئ بأمي .
وعلم مما تقرر أنه لا بد من إغناء صلاتهم عن القضاء وهو ظاهر وإن لم أر من صرح به في غير فاقد الطهورين ، وسيعلم مما يأتي أن شرطهم أيضا أن يسمعوا أركان الخطبتين وإن كان في الأربعين من لا يعتقد وجوب بعض الأركان كحنفي ، صح حسبانهم من الأربعين وإن شك في إتيانه بالواجب عندنا كما تصح إمامته لنا مع ذلك لأن الظاهر توقيه الخلاف ، بخلاف ما إذا علم منه مفسد عندنا فلا يحسب كما هو ظاهر مما مر لبطلان صلاته عندنا ، وفي الخادم عن مقتضى كلام الأصحاب أن العبرة بعقيدة إماما كان أو مأموما وهو دال لما تقرر ( مستوطنا ) بمحلها والمستوطن هنا من ( لا يظعن شتاء ولا صيفا إلا لحاجة ) كتجارة وزيارة فلا تنعقد بغير المتوطن كمن أقام على عزم عوده إلى وطنه بعد مدة ولو طويلة كالمتفقهة والتجار لعدم التوطن ولا بالمتوطنين خارج محل الجمعة وإن سمعوا نداءها لفقد إقامتهم بمحلها ، ولا يشترط لصحتها تقدم إحرام أربعين ممن تنعقد بهم على إحرام الناقصين كما أفتى به الشافعي الوالد رحمه الله تعالى . واقتضاه كلام الأصحاب ورجحه جماعة من المتأخرين كالبلقيني [ ص: 307 ] والزركشي ، بل صوبه خلافا للقاضي ومن تبعه بدليل صحة الجمعة خلف الصبي والعبد والمسافر إذا تم العدد بغيره قال البلقيني : لعل ما قاله القاضي : أي ومن تبعه من عدم الصحة مبني على الوجه الذي قال إنه القياس ، وهو أنه . لا تصح الجمعة خلف الصبي والعبد والمسافر إذا تم العدد بغيره
فإن قيل إحرام الإمام ضروري فاغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره . قلنا : لا ضرورة إلى إمامته فيها ، وأيضا تعظم المشقة على من لا تنعقد به في تكليفه بمعرفة تقدم إحرام أربعين من أهل الكمال على إحرامه .