الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وأغسال الحج ) الآتي بيانها إن شاء الله تعالى الشامل ذلك للعمرة أيضا ، وعلم من إتيانه بمن عدم انحصارالأغسال المسنونة فيما ذكره ، فمنها الغسل لتغير بدن من نحو حجامة أو فصد أو خروج من حمام عند إرادة الخروج وإن لم يتنور ، لأنه يغير البدن ويضعفه ، والغسل يشده وينعشه ، ومن نتف إبط ويقاس به نحو قص الشارب وحلق العانة ، وقد صرح في الرونق بالثاني ، وللاعتكاف ولكل ليلة من رمضان ، وقيده الأذرعي بمن يحضر الجماعة ، والأوجه الأخذ بإطلاقهم ، ولدخول حرم مكة والمدينة وفي الوادي عند سيلانه ولكل مجمع للناس .

                                                                                                                            أما الغسل للصلوات الخمس فغير مستحب ، [ ص: 333 ] كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى لشدة الحرج والمشقة فيه ( وآكدها غسل غاسل الميت ) في الجديد للاختلاف في وجوبه ثم يليه في الفضل غسل ( الجمعة ) للاختلاف فيه أيضا على ما سيأتي ( وعكسه القديم ) فقال آكدها غسل الجمعة ثم غسل غاسل الميت ، وقد رجحه المصنف فقال ( قلت : القديم هنا أظهر ) من الجديد وصوب في الروضة الجزم به ( ورجحه الأكثرون وأحاديثه ) أي غسل الجمعة ( صحيحة كثيرة وليس للجديد ) هنا ( حديث صحيح ) يدل عليه ( والله أعلم ) وقد اعترض عليه في هذه الدعوى بأنه قد صحح الترمذي وابن حبان وابن السكن حديث { من غسل ميتا فليغتسل } وقال الماوردي : خرج بعض أصحاب الحديث لصحته مائة وعشرين طريقا ، لكن قال البخاري : الأشبه وقفه على أبي هريرة ، وقد أحسن الرافعي حيث قال : لأن أخبار الجمعة أصح وأثبت ، على أنه يمكن الجواب عن المصنف بأن نفيه إنما هو بحسب ما استحضره في ذلك الوقت ، أو أنه ليس له حديث صحيح بمعنى متفق على صحته فلا ينافي ما تقرر . ويؤخذ مما ذكر أن الأفضل بعدهما ما كثرت أحاديثه ثم اختلف في وجوبه ثم ما صح حديثه ثم ما كان نفعه متعديا أكثر ، ومن فوائد معرفة الآكد تقديمه فيما لو أوصى بماء لأولى الناس به وينوي بسائر الأغسال المسنونة أسبابها إلا غسل الإفاقة من الجنون والإغماء فإنه ينوي الجنابة كما مر ونقله الزركشي وارتضاه ، ويغتفر عدم الجزم بالنية للضرورة ، ولو فاتت هذه الأغسال لم تقض .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : الشامل ذلك ) أي المذكور ، ولعل وجه الشمول أن المراد بأغسال ما ذكر من الأغسال في بابه ( قوله : الغسل لتغير بدن ) قضيته عدم استحباب الغسل من الحجامة والفصد إذا لم يتغير بدنه . وقضية حج خلافه ، فإنه جعل ندب الغسل لمجرد الحجامة والفصد ولم يقيد بالتغير والأقرب قضية حج ، ولعل المراد بالتغير حدوث صفة لم تكن موجودة قبل ، ويدل عليه قوله : ومن نتف إبط ويقاس به إلخ ، أو أن نحو الحجامة مظنة للتغير ( قوله : من نحو حجامة ) بيان للأسباب المغيرة للبدن ( قوله : أو خروج من حمام ) وهل يغتسل بماء بارد أو حار فإن الحار يرخي البدن والبارد يشده ، ثم رأيت في فتاوى شيخنا حج التقييد بالبارد ا هـ على منهج . وقوله عند إرادة الخروج يفيد أنه يغتسل داخل الحمام لإزالة التغير الحاصل من العرق ونحوه ، وعليه فلو اغتسل من الحنفية مثلا ثم اتصل بغسله الخروج لا يطلب منه غسل آخر ( قوله : ومن نتف إبط ) أي كلا أو بعضا ( قوله : ولكل ليلة من رمضان ) أي يدخل وقته بالغروب ويخرج بطلوع الفجر .

                                                                                                                            ( قوله : والأوجه الأخذ بإطلاقهم ) أي فلا يتقيد بمريد الجماعة وذلك لأن الغسل للجماعة سنة مستقلة كما يصرح به قوله إذ جماعة الليل إلخ ، فإن جماعة النهار يطلب الغسل لها ويشمل ذلك قوله ولكل مجمع إلخ ، لكن قد يشكل كل هذا على قوله أما الغسل للصلوات الخمس فغير مستحب إلخ ، فإنه شامل لما لو فعلت جماعة أو فرادى فليتأمل ، إلا أن يقال : مراده أن الغسل للصلاة لا يسن لها من حيث كونها صلاة فلا ينافي سنيته لها من حيث الجماعة ( قوله : ولدخول حرم مكة ) قال حج : ولأذان ولدخول مسجد : أي قبلهما ( قوله : ولكل مجمع للناس ) قال حج : من مجامع الخير ، ونقل عنه سم أنه قال في شرح العباب : أي على مباح فيما يظهر ، لأن الاجتماع على معصية لا حرمة له إلخ انتهى . ومن المباح الاجتماع في القهوة التي لم تشتمل على أمر محرم ، ولو كان الداخل ممن لا يليق به دخولها كعظيم مثلا ، ثم ينبغي أن هذه الأغسال المستحبة إذا وجد لها أسباب كل منها يقتضي الغسل كالإفاقة من الجنون مثلا وحلق العانة [ ص: 333 ] ونتف الإبط إلى غير ذلك يكفي لها غسل واحد لتداخلها لكونها مسنونة ، وأنه لو اغتسل لبعضها ثم طرأ غيره تعدد الغسل بعدد الأسباب وإن تقاربت وكالغسل التيمم في ذلك ، ويؤيد ما ذكر من تعدد الغسل والتيمم بعدد الأسباب أنه لو اغتسل للعيد قبل الفجر لا يسقط بذلك غسل الجمعة بل يأتي به بعد دخول وقته .

                                                                                                                            ( قوله : كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ) المتبادر أنه لا يستحب الغسل لها وإن فعلت في جماعة ، لكن كتب سم على قول حج ولكل مجمع ما نصه : هل ولو لجماعة الخمس ا هـ . وعلم رده من المتبادر المذكور فليراجع ، وقد تقدم ما فيه ( قوله : لصحته ) أي الحديث ( قوله : إنما هو بحسب ما استحضره ) الأولى ما أشار إليه المحلي من عدم تسليمه لصحة الحديث المذكور المشعر باطلاعه عليه ورده ( قوله ما كثرت أحاديثه ) في شرح العباب تقديم ما اختلف في وجوبه على غيره ا هـ سم على حج . ولعل وجه ما هنا أنهم قدموا غسل الجمعة لكثرة أحاديثه فأشعر أنهم يقدمون ما كثرت أحاديثه على غيره ( قوله : ثم ما اختلف في وجوبه ) لعل المراد ما كان الاختلاف في وجوبه أقوى وإلا فغسل الميت مختلف في وجوبه ، ومن ثم قدم على غيره ، على أن الكلام فيما وراء غسل الميت والجمعة ، والأولى أن يقال : ما اختلف في وجوبه مقدم على غيره ، فلو اجتمع غسلان اختلف في وجوب كل منهما قدم ما القول بوجوبه أقوى ، فإن استويا تعارضا فيكونان في مرتبة واحدة ( قوله : فإنه ينوي الجنابة ) ظاهره وجوبا حتى لا يجزئ في السنة غير هذه النية ، ثم قال بعد كلام قرره : والحاصل أن الصبي ينوي الغسل من الإفاقة والبالغ ينوي رفع هذا أو رفع الجنابة ا هـ سم على حج ، لأن ما ذكروه من احتمال الإنزال مجرد حكمة ، ومن ثم طلب من الصبي إذا أفاق ، وتقدم عن م ر ما يخالفه فليراجع ( قوله : ولو فاتت هذه الأغسال ) انظر بما يحصل الفوات للغسل من غسل الميت ونحوه ، ثم رأيت بهامش نسخة صحيحة من الزيادي ما نصه : نقل شيخنا الزيادي أن شخصا من أهل العلم سأل شيخه الطندتائي عم يخرج به غسل العيد ؟ فأجاب بأنه يخرج باليوم .

                                                                                                                            وأما غسل الجمعة فبفوات الجمعة ، ونقل شيخنا المذكور عن بعض مشايخه أن غسل [ ص: 334 ] غاسل الميت ينقضي بنيته الإعراض عنه أو بطول الفصل ا هـ . وقياس ما قدمه في سنة الوضوء اعتماد هذا ، وقد يقال في المجنون والمغمى عليه إنما يفوت الغسل في حقهما بعروض ما يوجب الغسل كجنابة فإن حكمة طلب غسلهما احتمال الجنابة وهو موجود وإن طال زمنه فعند عروض ما يوجبه إذا اغتسل له اندرج فيه غسل الجنابة بتقدير وجودها زمن الجنون أو الإغماء ، ثم رأيت في سم على حج ما يصرح بذلك ، وعبارته في أثناء كلام : وينبغي أن يستثنى نحو غسل الإفاقة من جنون البالغ لأنه لاحتمال الجنابة وذلك موجود مع الفوات . نعم إن حصلت له جنابة بعد الإفاقة واغتسل لها انقطع طلب الفعل السابق انتهى . وينبغي أن غسل نحو الفصد والحجامة كغسل غاسل الميت .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 332 ] قوله : أو خروج من حمام ) الأولى إسقاط لفظ خروج ( قوله : والأوجه الأخذ بإطلاقهم إذ جماعة الليل كجماعة النهار ) كذا في نسخة : ولم يظهر لي معنى هذا التعليل ، بل قد يفيد بظاهره نقيض المطلوب ، ولعل مراده منه ما في التحفة وإن قصرت عبارته عنه ، ونص ما في التحفة قال الأذرعي : إن حضر الجماعة ، وفيه نظر ; لأنه لحضور الجماعة لا يختص برمضان ، فنصهم عليه دليل على ندبه وإن لم يحضرها لشرف الزمان . ا هـ . ( قوله : ولكل مجمع للناس ) عبارة التحفة وعند كل مجمع من مجامع الخير ، ونقل عنه الشهاب سم في شرح العباب أن المباح كذلك [ ص: 333 ] قوله : على أنه يمكن الجواب عن المصنف إلخ ) ويمكن الجواب أيضا بأن مراده بالحديث المنفي ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم كما هو اصطلاح لبعضهم ، فلا ينافي صحة الخبر المذكور ; لأنه موقوف وفاقا للبخاري ( قوله : ويؤخذ مما ذكر أن الأفضل بعدهما ما كثرت أحاديثه إلخ ) في أخذ ما ذكر على هذا الترتيب مما قدمه منع ظاهر .




                                                                                                                            الخدمات العلمية