فصل في وحمله وتوابعهما تكفين الميت
( يكفن ) الميت بعد طهره ( بما ) أي بشيء من جنس ما يجوز ( له لبسه حيا ) فيجوز مع الكراهة ، بخلاف الخنثى والبالغ فيمتنع تكفينهما في المزعفر والحرير مع وجود غيرهما لا المعصفر ، ولا يجوز للمسلم تكفين قريبه الذمي فيما يمتنع تكفين المسلم فيه ، ولو [ ص: 456 ] تكفين المرأة وغير المكلف من صبي ومجنون في الحرير والمزعفر والمعصفر كدفع قمل جاز تكفينه فيها مع وجود غيرها لما سيأتي من أن السنة تكفينه في ثيابه التي استشهد فيها لا سيما إذا تلطخت بدمه كما أفتى بذلك استشهد في ثياب حرير لبسها لضرورة الوالد رحمه الله تعالى تبعا للأذرعي في أحد كلاميه ، فيكون ذلك قاضيا على منع التكفين في الحرير ، ولهذا لو لبس الرجل حريرا لحكة أو قمل مثلا واستمر السبب المبيح له ذلك إلى موته حرم تكفينه فيه عملا بعموم النهي ولانقضاء السبب الذي أبيح له من أجله ولم يخلفه مقتض لذلك أفتى به الوالد رحمه الله تعالى أيضا ، والأوجه كما صرح به الجرجاني وبحثه الإسنوي عدم الاكتفاء بالطين هنا عند وجود غيره ولو حشيشا وإن اكتفي به في الحياة لما فيه من الإزراء بالميت ، ولهذا بحث الأذرعي عدم جواز تكفينه بمتنجس بما لا يعفى عنه مع وجود طاهر وإن جاز لبسه في الحياة خارج الصلاة ، وجزم به ابن المقري .
هذا كله إن لم يكن الطاهر حريرا ، فإن كان قدم عليه المتنجس على ما صرح به البغوي والقمولي وغيرهما لكنه مبني على رأي له مرجوح وهو أنه إذا خرج من الميت نجاسة أو وقعت عليه بعد تكفينه لا يجب غسلها والمذهب وجوبه فالمذهب تكفينه في الحرير لا المتنجس ، وتعليلهم اشتراط تقديم غسله على الصلاة عليه بأن الصلاة عليه كصلاته نفسه صريح فيما ذكرناه ، والفرق بين عدم جواز وبين ستر العورة خارج الصلاة بالمتنجس دون الحرير واضح ، أفاد ذلك تكفين الميت في المتنجس مع وجود الحرير الوالد رحمه الله تعالى ، ويؤيد ذلك قول الفقيه إبراهيم بن عجيل اليمني : يشترط في الميت ما يشترط في المصلي من الطهارة وستر العورة وغير ذلك ، والأوجه وجوب تقديم الجلد ثم الحشيش عند فقد الثوب على التطيين ثم هو ، ولا يجوز في الذكر ولا في الأنثى تكفينه بما يصف البشرة مع وجود غيره ، وقياس إباحة جواز تكفينها فيما حرم عليها لبسه حال حياتها ، [ ص: 457 ] وبه صرح تطييب المحدة بعد موتها المتولي ، وأفتى بحرمة ابن الصلاح ولو امرأة كما يحرم ستر بيتها بحرير ، وخالف ستر الجنازة بحرير وكل ما المقصود به الزينة الجلال البلقيني فجوز الحرير فيها وفي الطفل ، واعتمده جمع وهو أوجه واحد يستر البشرة هنا كالصلاة وجميع بدنه إلا رأس المحرم . ( وأقله ثوب )
ووجه المحرمة كما صححه المصنف في مناسكه واختاره ابن المقري في شرح إرشاده كالأذرعي تبعا لجمهور الخراسانيين وفاء بحق الميت ، وما صححه في الروضة والمجموع والشرح الصغير من أن أقله ما يستر العورة محمول على وجوب ذلك لحق الله تعالى كما يعلم ذلك من كلام ابن المقري في روضه ، فعلى الثاني يختلف قدره بالذكورة والأنوثة كما صرح به الرافعي لا بالرق والحرية كما اقتضاه كلامهم وهو الظاهر في الكفاية ، فيجب في المرأة ما يستر بدنها إلا وجهها وكفيها حرة كانت أو أمة لزوال الرق بالموت ، وممن استثنى الوجه والكفين المصنف في مجموعه لكنه فرضه في الحرة ، ووجوب سترهما في الحياة ليس لكونهما عورة بل لكون النظر إليهما يوقع في الفتنة غالبا ، ولا ينافيه ما مر من جواز تغسيل السيد لها ; لأن ذلك ليس لكونها باقية في ملكه بل ; لأن ذلك من آثار الملك كما يجوز للزوج تغسيل زوجته مع أن ملكه زال عنها ( ولا تنفذ ) بالتشديد والبناء للمفعول ويجوز عكسه ( وصيته بإسقاطه ) أي الثوب الواحد ; لأن فيه حقا لله تعالى ، بخلاف الثاني والثالث اللائي ذكرهما في الأفضل فإنهما حق للميت تنفذ وصيته بإسقاطهما ، ولو أوصى بساتر العورة لم تصح وصيته أيضا ، ويجب تكفينه بساتر لجميع بدنه ، وما ذكره الإسنوي وتبعه عليه جمع من أن هذا مبني على أن الواجب ستر جميع البدن مردود بأنه جار على القول بأن الواجب ستر العورة فقط أيضا .
وعدم صحة الوصية إنما هو لأن الاقتصار على ذلك مكروه ، وإن قلنا بجوازه ، والوصية لا تنفذ بالمكروه ، وإنما لم نعول على وصيته بإسقاط الثوب ; لأنه إسقاط للشيء [ ص: 458 ] قبل وجوبه ; لأنه إنما يجب بموته ، ولا يشكل عليه صحة وصيته بإسقاط الثاني والثالث مع أنه إسقاط للشيء قبل وجوبه أيضا لاختلاف جهة الحقوق هنا ، فستر العورة محض حقه تعالى ، وباقي البدن فيه حق لله تعالى ، وحق للميت فلم يملك إسقاطه لانضمام حقه تعالى فيه ، وما زاد على الثوب محض حق الميت فله إسقاطه ، فلو مات ولم يوص بذلك فقال بعض الورثة يكفن بثوب ساتر جميع البدن وبعضهم بثلاثة كفن في ثلاثة لزوما ; لأنها محض حق الميت من تركته فيكفن فيها حيث لا دين يستغرقها ولا وصية بإسقاطها ، ولو اتفقوا على ثوب كفن في ثلاثة كما أشار إليه في التتمة .
وقال المصنف : إنه الأقيس ، أجيب الغرماء لأنه إلى براءة ذمته أحوج منه إلى زيادة الستر . فلو كان عليه دين مستغرق وقال الغرماء يكفن في ثوب والورثة في ثلاثة
قال في المجموع ولو قال الغرماء يكفن بساتر العورة والورثة بساتر جميع البدن نقل صاحب الحاوي وغيره الاتفاق على ساتر جميع البدن ، ولو جاز بلا خلاف : أي ولا نظر لبقاء ذمته مرتهنة بالدين ; لأن رضاهم قد يقتضي فك ذمته . اتفق الغرماء والورثة على ثلاثة
وحاصل ذلك أن الكفن بعد ما مر من مراتبه بالنسبة للغرماء ساتر جميع بدنه ، وبالنسبة للورثة ثلاثة فليس للوارث المنع منها تقديما لحق المالك ، وفارق الغريم بأن حقه ثابت وبأن منفعة صرف المال له تعود إلى الميت ، بخلاف الوارث فيهما هذا كله إن كفن من تركته ، فإن كفن من غيرها لم يلزم من يجهزه من سيد وزوج وقريب وبيت مال إلا ثوب واحد ساتر لجميع بدنه ، بل يحرم الزيادة عليه من بيت المال كما يعلم من كلام الروضة ، وكذا لو كفن مما وقف للتكفين كما أفتى به . ابن الصلاح
قال : ويكون سابغا ولا يعطى الحنوط والقطن فإنه من قبيل الأثواب المستحبة التي لا تعطى على الأظهر ، وظاهر قوله ويكون سابغا [ ص: 459 ] أنه يعطى وإن قلنا الواجب ستر العورة وهو الأوجه ، وقد حررنا هذا المقام حسب الاستطاعة وربما لا يوجد في كثير من المؤلفات على ما ذكرناه لخبر ( والأفضل للرجل ) أي الذكر ولو صبيا أو محرما ( ثلاثة ) رضي الله عنها { عائشة } رواه الشيخان ولا ينافي هذا ما تقدم من وجوب الثلاثة من التركة ; لأنها وإن كانت واجبة فالاقتصار عليها أفضل مما زاد على ذلك ولهذا قال ( ويجوز ) من غير كراهة ( رابع وخامس ) ; لأن كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة كفن ابنا له في خمسة أثواب قميص وعمامة وثلاث لفائف ، نعم هي خلاف الأولى كما في المجموع لأنه صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة كما مر ، أما الزيادة على ذلك فمكروهة لا محرمة . عبد الله بن عمر
نعم محل ذلك إذا كان الورثة أهلا للتبرع ورضوا به ، فإن كان فيهم صغير أو مجنون أو محجور عليه بسفه أو غائب فلا من أثواب لزيادة الستر في حقها وتكره الزيادة عليها كما مر ( ومن كفن منهما ) أي من ذكر وأنثى والخنثى ملحق بها كما مر ( بثلاثة فهي ) كلها ( لفائف ) متساوية طولا وعرضا يعم كل منها جميع البدن غير رأس المحرم ووجه المحرمة : أي الأفضل فيها ذلك ، فلا ينافي أن الأولى أوسع كما سيأتي ، وقيل متفاوتة . ( و ) الأفضل ( لها ) وللخنثى ( خمسة )
وقوله لفائف هل يعتبر له مفهوم حتى لو أراد الورثة ثلاثة على هيئة لفائف ، لا يجابون أو لا يعتبر فيجابون ؟ قال في الإسعاد : الظاهر الأول نظرا إلى تنقيص الميت والاستهانة به لمخالفة السنة في كفنه إن لم يكن محرما ( وعمامة تحتهن ) أي اللفائف اقتداء بفعل ( وإن كفن ) ذكر ( في خمسة زيد قميص ) ، أما المحرم فلا ; لأنه لا يلبس مخيطا ( وإن كفنت ) أي امرأة ( في خمسة فإزار ) أولا ( وخمار ) وهو ما يغطى الرأس به ( وقميص ) قبل الخمار ( ولفافتان ) بعد ذلك ; لأنه عليه الصلاة والسلام كفن فيها ابنته ابن عمر أم كلثوم ( وفي قول ثلاث لفائف وإزار وخمار ) أي واللفافة الثالثة بدل القميص لأن الخمسة لها كالثلاثة [ ص: 460 ] للرجل والقميص لم يكن في كفنه صلى الله عليه وسلم لخبر { ( ويسن ) الكفن ( الأبيض ) } السابق في الجمعة ، وسيأتي أن المغسول أولى من الجديد . كفنوا فيها موتاكم