ويجوز تفسير القرآن بمقتضى اللغة ، فعله أحمد ، نصره القاضي وأبو الخطاب وغيرهما ، لأنه عربي وقوله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وقوله { : وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } المراد الأحكام ، وذكروا رواية بالمنع ، وأطلق غير واحد روايتين وتعليم التأويل مستحب ، ولا يجوز تفسير برأيه من غير لغة ، ولا نقل ، ذكره القاضي وغيره ، واستدلوا بقوله تعالى : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } وقوله : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وعن عبد الأعلى بن جابر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا { من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار } رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وحسنه وعبد الأعلى ضعفه أحمد وأبو زرعة وغيرهما ، ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره ، [ ص: 557 ] من حديث عبد الأعلى ومن غير حديثه مرفوعا ، وعن سهيل بن حزم عن أبي عمران الجوني عن جندب مرفوعا { من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ } رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي ، وقال غريب وسهيل ضعفه الأئمة ، قال البخاري : يتكلمون فيه .
وقال ابن معين : صالح ، وقد روي هذا المعنى عن أبي بكر وعمر ، وغيرهما من الصحابة ، والتابعين رضي الله عنهم قال عمر : نهينا عن التكلف ، وقرأ { وفاكهة وأبا } وقال فما الأب ؟ ثم قال : ما كلفنا أو قال ما أمرنا بهذا روى ذلك البخاري ، قال في كشف المشكل : يحتمل أن عمر علم الأب ، وأنه الذي ترعاه البهائم ، ولكنه أراد تخويف غيره من التعرض للتفسير بما لم يعلم ، ويحتمل أنه خفي عليه كما خفي على ابن عباس معنى { فاطر السماوات والأرض } ويحتمل أنه خفي عليه أن هذه الكلمة تقع على مسميين فتورع عن إطلاق القول ، وأصل التكلف تتبع ما لا منفعة فيه ، أو ما لم يؤمر به ، ولا يحصل إلا بمشقة ، وأما ما أمر به أو فيه منفعة فلا وجه للذم ، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات ، وفسر كثير من الصحابة كثيرا من القرآن ، وقال عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، قال . { سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون في القرآن فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل القرآن يصدق بعضه بعضا ، ولا يكذب بعضه بعضا ، ما علمتم منه فقولوا ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه } إسناد جيد وحديث عمرو حسن ، وروى سعيد بن منصور عن حماد بن زيد ، [ ص: 558 ] عن أيوب ، عن أبي مليكة أن الصديق قال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني ، وأين أذهب ، أو كيف أصنع إذا أنا قلت في كتاب الله بغير ما أراد الله ؟ .
وروى ابن وهب عن يونس ، عن الزهري أن أبا بكر حدث رجلا بحديث ، فاستفهمه الرجل ، فقال الصديق : هو كما حدثتك ، أي أرض تقلني إذا قلت ما لا أعلم ؟ وروي نحوه من غير وجه ، وذكر أبو الخطاب في التمهيد وغيره يكره ، وعن عائشة قالت : { ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من القرآن شيئا إلا آيات علمهن إياها جبريل عليه السلام } إسناده ضعيف ، رواه أبو بكر عبد العزيز وابن جرير وقال : إن هذه الآيات لا تعلم إلا بالتوقيف عن الله ، فأوقفه عليها جبريل . ويلزم الرجوع إلى تفسير الصحابة ، لأنهم شاهدوا التنزيل ، وحضروا التأويل ، فهو أمارة ظاهرة ، وقدمه أبو الخطاب وغيره ، وأطلق أبو الحسين وغيره روايتين إذا لم نقل : قول الصحابي حجة .
وقال القاضي وغيره إن قلنا : قوله حجة لزم قبوله ، وإلا : فإن نقل كلام العرب في ذلك صير إليه ، وإن فسره اجتهادا أو قياسا على كلام العرب لم يلزم ، ولا يلزم الرجوع إلى تفسير التابعي .
وقال بعضهم : ولعل مراده غيره ، إلا أن ينقل ذلك عن العرب ، وأطلق أبو الحسين وغيره ، وأطلق ابن عقيل في الواضح روايتين : الرجوع ، وعدمه .
وقال شيخنا : قول أحمد في الرجوع إلى قول التابعي عام في التفسير وغيره ، نقل أبو داود إذا جاء التفسير عن الرجل من التابعين لا يوجد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم الأخذ به ، ونقل المروذي ينظر ما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 559 ] فإن لم يكن فعن الصحابة ، فإن لم يكن فعن التابعين ، قال القاضي ويمكن حمله على إجماعهم ، وإذا قال الصحابي ما يخالف القياس فهو توقيف ، وفاقا للحنفية ، وقيل لا ، وفاقا للشافعية ، وإن قاله التابعي فليس بتوقيف ، وذكر صاحب المحرر وغيره بلى ، ويتوجه تخريجه على رواية من جعل تفسيره كتفسير الصحابي ، والله أعلم .


