الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                وأما حديث جابر، فمن طريقين: أحدهما:

                                816 854 - حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عاصم، أنا ابن جريج: أخبرني عطاء، قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " من أكل من هذه الشجرة - يريد: الثوم - فلا يغشانا في مساجدنا ".

                                قلت: ما يعني به؟ قال: ما أراه يعني إلا نيئه.

                                وقال مخلد بن يزيد، عن ابن جريج: إلا نتنه.

                                التالي السابق


                                وهذه الرواية - أيضا - صريحة بعموم المساجد، والمسئول والمجيب لعله عطاء .. وفي أبي عاصم .

                                " نيئه "، بالهمز، ويقال بالتشديد بدون همزة، والمراد به: ما ليس بمطبوخ، فإنه قد ورد في المطبوخ رخصة، لزوال بعض ريحه بالطبخ.

                                [ ص: 282 ] وقد قال عمر -رضي الله عنه- في خطبته -: إنكم تأكلون شجرتين، لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا وجد ريحها من الرجل في المسجد أمر به وأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا.

                                خرجه مسلم .

                                وخرج أبو داود والنسائي من حديث معاوية بن قرة ، عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: " من أكلهما فلا يقربن مسجدنا " وقال: " إن كنتم لا بد آكلوهما، فأميتوهما طبخا ".

                                قال: يعني: البصل والثوم.

                                وقال البخاري - فيما نقله عنه الترمذي في " علله " -: حديث حسن.

                                وخرج الطبراني معناه من حديث أنس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال فيه: " فإن كنتم لا بد آكلوهما فاقتلوهما بالنار قتلا ".

                                وخرج أبو داود من حديث علي ، قال: نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخا.

                                خرجه الترمذي .

                                ثم خرجه - موقوفا - عن علي ، أنه كره أكله إلا مطبوخا.

                                [ ص: 283 ] وخرج ابن ماجه من حديث عقبة بن عامر ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: " لا تأكلوا البصل "، ثم قال كلمة خفية: " النيء ".

                                وأما رواية مخلد بن يزيد الحراني ، عن ابن جريج ، التي ذكرها البخاري - تعليقا - فمعناها: نتن ريحه، ولأجلها كره دخول المسجد لآكله.

                                وخرج مسلم حديث جابر هذا من رواية يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، ولفظه: " من أكل من هذه البقلة: الثوم " - وقال مرة -: " من أكل من البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم ".

                                وخرج معناه من حديث أبي الزبير ، عن جابر - أيضا.

                                وخرج مسلم - أيضا - من حديث الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا، ولا يؤذينا بريح الثوم ".

                                فدل هذا الحديث - مع الذي قبله - على أن علة المنع من قربان المسجد تأذي من يشهده من المؤمنين والملائكة بالرائحة الكريهة.

                                وفي عامة هذه الأحاديث: تسمية الثوم شجرة.

                                قال الخطابي : فيه أنه جعل الثوم من جملة الشجر، والعامة إنما يسمون الشجر ما كان له ساق يحمل أغصانه دون غيره.

                                [ ص: 284 ] وعند العرب: أن كل ما بقيت له أرومة في الأرض تخلف ما قطع فهو شجر، وما لا أرومة له فهو نجم، فالقطن شجر، يبقى في كثير من البلدان سنين، وكذلك الباذنجان، فأما اليقطين والريحان ونحوهما فليس بشجر، فلو حلف رجل على شيء من الأشجار فالاعتبار من جهة الاسم والحقيقة على ما ذكرت، وفي العرف ما تعارفه الناس. انتهى.

                                وأما قوله تعالى: وأنبتنا عليه شجرة من يقطين فلا يرد على ما ذكره؛ فإنها شجرة مقيدة بكونها من يقطين، وكلامه إنما هو في إطلاق اسم الشجر.

                                وقد اختلف أصحابنا الفقهاء فيما يتكرر حمله من أصول الخضروات ونحوها: هل هو ملتحق بالشجر، أو بالزرع؟ وفيه وجهان، ينبني عليهما مسائل متعددة، قد ذكرناها في " كتاب القواعد في الفقه ".



                                الخدمات العلمية