الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثاني:

                                820 858 - ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، حدثني صفوان بن سليم، عن عطاء [ ص: 297 ] ابن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ".

                                التالي السابق


                                مراده بهذا الحديث هاهنا: الاستدلال به على أن الغسل الواجب لا يجب إلا على من بلغ الحلم، وهو المراد بالمحتلم في هذا الحديث، كما أن قوله: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار "، إنما أراد به من بلغت المحيض.

                                وقد اختلف العلماء في معنى الوجوب في هذا الحديث: هل هو على ظاهره، أم المراد به التأكيد؟ وفيه خلاف يأتي في موضع آخر - إن شاء الله سبحانه وتعالى.

                                فإن قيل: إنه على ظاهره، وإنه يأثم بتركه، فإن هذا الوجوب يختص بالبالغ ولا يدخل فيه الصبي، اللهم، إلا على رأي من أوجب الصلاة على من بلغ عشرا من الصبيان، كما هو قول طائفة من أصحابنا، فإنهم اختلفوا في وجوب الجمعة عليه، ولهم فيه وجهان، أصحهما: لا يجب.

                                فإن قيل بوجوبها عليه توجه وجوب الغسل عليه - أيضا - وهو ضعيف لأنه مبطل فائدة تخصيص الوجوب في هذا الحديث بالمحتلم.

                                وإن قيل: إن الوجوب في الحديث إنما أريد به تأكيد الاستحباب، فهل يدخل فيه الصبي؟

                                لا يخلو الصبي، إما أن لا يريد حضور الجمعة، فلا يؤمر بالغسل لها، وإما أن يريد حضورها مع الرجال، ففي استحباب الغسل له وجهان لأصحابنا.

                                [ ص: 298 ] وينبغي أن لا يتأكد الاستحباب في حقه كتأكيده على الرجال؛ لئلا تبطل فائدة تخصيص الوجوب بالمحتلم في الحديث.

                                ومذهب مالك ؛ أنه يغتسل إذا أراد شهود الجمعة.

                                وأما وجوب الغسل على الصبي إذا وجد منه ما يوجب الغسل على البالغ، مثل أن يطأ ويولج في فرج امرأة، أو تكون الزوجة الموطأة صغيرة لم تبلغ، فيطؤها الرجل، فهل يجب عليها وعلى الصبي الواطئ - بغير إنزال - الغسل؟

                                فيه قولان مشهوران للفقهاء:

                                أحدهما: يجب، وهو نص أحمد ، واختيار ابن شاقلا وغيره من أصحابنا، وهو قول إسحاق بن راهويه .

                                وقالت الشافعية: يصير بذلك جنبا، ويمنع مما يمنع منه الجنب حتى يغتسل، ويلزم وليه أن لا يمكنه مما يمنع منه الجنب حتى يغتسل.

                                ولم يقولوا: إن غسله واجب، لئلا يتوهم أنه مكلف به.

                                والثاني: لا يجب، بل يستحب، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأبي ثور ، وأصحابنا؛ لأن الغسل عبادة بدنية، فلا تلزم الصبي، كالصوم والصلاة.

                                قال المحققون من أصحابنا: وهذا لا يصح؛ لأنه ليس المعني بوجوبه تأثيمه بتركه لينافيه الصغر، بل فائدته اشتراطه لصحة صلاته وطوافه، وتمكينه من مس المصحف، وقراءة القرآن، واللبث في المسجد، وإلزامه به إذا بلغ، وتغسيلنا له يشبه ما لو قتل شهيدا قبل أن يغتسل، وغير ذلك من الأحكام، والصغر لا ينافي ذلك، كما لم يناف إيجاب الوضوء عليه بموجباته بهذا المعنى - أيضا.

                                ولا نعلم خلافا أن الصبي المميز تصح طهارته ويرتفع حدثه، ولو بلغ بعد [ ص: 299 ] أن توضأ لجاز أن يصلي بذلك الوضوء الفرض، ولا نعلم في ذلك خلافا، إلا وجها شاذا للشافعية، لا تعويل عليه.

                                ولكن؛ هل يوصف وضوؤه قبل بلوغه بالوجوب؟ فيه لأصحابنا وجهان.

                                وهذا الخلاف يشبه الخلاف في تسمية غسله واجبا، على ما سبق.

                                ويشبه تخريج هذا الخلاف في تسميته واجبا عليه بدون إرادة الصلاة، على الخلاف في أن الموجب للطهارة، هل هو الحدث، أو إرادة الصلاة؟ وفيه اختلاف مشهور.

                                ويمكن أخذه من اختلاف الروايتين، عن أحمد في غسل الحائض للجنابة في حال حيضها.

                                وأما أن الصبي ممنوع من الصلاة بدون الطهارة، فمتفق عليه.

                                نعم؛ في جواز تمكين الصبي من مس لوحه الذي يكتب فيه القرآن روايتان عن أحمد ، ومن أصحابنا من حكى الخلاف في مسهم لمصاحفهم.

                                ووجه عدم اشتراطه: أن حاجتهم إلى ذلك داعية، ويشق منعهم منه بدون طهارة، لتكرره، ووضوؤهم لا يتحفظ غالبا.

                                وهو - أيضا - قول الحنفية، وأصح الوجهين للشافعية؛ لهذا المعنى.

                                وهذا كله في حق الصبي المميز، فأما من لا تميز له فلا طهارة له ولا صلاة، ولو توضأ لم يؤثر استعماله في الماء شيئا.

                                وأما المميز إذا توضأ بالماء، فهل يصير مستعملا؟ فيه لأصحابنا وجهان.

                                ويحسن بناؤها على أن وضوءه: هل يوصف بالوجوب، أو بالاستحباب؟ [ ص: 300 ] والأظهر: أنه يصير مستعملا، لأنه قد رفع حدثه، وأزال منعه من الصلاة.

                                وهو - أيضا - أصح الوجهين للشافعية.

                                والثاني لهم: ليس بمستعمل، لأنه لم يؤد به فرضا.

                                قالوا: والصحيح: أنه مستعمل؛ لأن المراد بفرض الطهارة ما لا تجوز الصلاة ونحوها إلا به، لا ما يأثم بتركه.



                                الخدمات العلمية