الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
839 879 - ثنا nindex.php?page=showalam&ids=16475عبد الله بن يوسف، أنا nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، عن nindex.php?page=showalam&ids=16228صفوان بن سليم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري، nindex.php?page=hadith&LINKID=650830أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " nindex.php?page=treesubj&link=283_917_969_1025غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ".
وهذا الحديث إنما يدل على تخصيص المحتلمين بوجوب الغسل، كما سبق ذكره في " باب: وضوء الصبيان وطهارتهم ".
وقد تقدم ما يدل على أن المأمورين بالغسل هم الآتون للجمعة، فيستدل بذلك على اختصاص الإتيان للجمعة بمن بلغ الحلم، دون من لم يبلغ.
وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من رواية عياش بن عباس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن الأشج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " nindex.php?page=hadith&LINKID=667615رواح الجمعة واجب على كل محتلم ".
وهذا صريح بأن الرواح إنما يجب على المحتلم، فيفهم منه أنه لا يجب على من لم يحتلم.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في " صحيحه "، ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود : " nindex.php?page=hadith&LINKID=672212على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل ".
وقد أعل، بأن مخرمة بن بكير رواه عن أبيه، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير ذكر nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة .
وهو أصح عند الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني وغيرهما؛ فإن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر صرح بأنه سمع حديث الغسل من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن هل حديث مخرمة موافق لحديث [ ص: 341 ] عياش في لفظه، أم لا؟
وقد سبق القول في وجوب الجمعة على من لم يحتلم من الصبيان في " باب: وضوء الصبيان ".
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر فيهما التصريح بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالغسل للجمعة، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد فيه التصريح بوجوبه.
وقد اختلف العلماء في nindex.php?page=treesubj&link=969غسل الجمعة : هل هو واجب - بمعنى: أنه يأثم بتركه مع القدرة عليه بغير ضرر - أم هو مستحب - فلا يأثم بتركه بحال -؟ ولم يختلفوا أنه ليس بشرط لصحة صلاة الجمعة، وأنها تصح بدونه، ولهذا أقر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر والصحابة من شهد الجمعة ولم يغتسل، ولم يأمروه بالخروج للغسل.
وقد استدل - أيضا - بذلك الشافعي وغيره على أنه غير واجب؛ لأنه لو كان واجبا لأمروه بالخروج له.
وأجاب بعضهم عن ذلك: بأنهم قد يكونوا خافوا عليه فوات الصلاة لضيق الوقت.
وأكثر العلماء على أنه يستحب، وليس بواجب.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في " كتابه " أن العمل على ذلك عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.
وهذا الكلام يقتضي حكاية الإجماع على ذلك.
وقد حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ، ومستند من حكاه عنهما: قصة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر مع الداخل إلى المسجد؛ فإنه قد وقع في رواية أنه كان nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، وسنذكرها - إن شاء الله تعالى.
وممن قال: هو سنة: nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أنه غير واجب، وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وغيرهم من الصحابة، وبه قال جمهور فقهاء الأمصار: nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، [ ص: 342 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد - في ظاهر مذهبه - nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وأنه قيل له: في الحديث: " هو واجب "؟ قال: ليس كل ما في الحديث: " هو واجب " يكون كذلك.
وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=15136عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره من أصحابه.
واستدل من قال: ليس بواجب: بما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، عن nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=913401 " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل " .
خرجه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وحسنه.
وقد اختلف في سماع nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن من سمرة .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث يزيد الرقاشي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - مرفوعا - أيضا.
ويزيد ، ضعيف الحديث.
وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم "، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام ".
وهذا يدل على أن الوضوء كاف، وأن المقتصر عليه غير آثم ولا عاص، وأما الأمر بالغسل فمحمول على الاستحباب.
وقد روي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ما يدل على ذلك، وسيأتي ذكره - إن شاء الله تعالى.
وأما رواية الوجوب، فالوجوب نوعان: وجوب حتم، ووجوب سنة وفضل.
وذهبت طائفة إلى وجوب الغسل، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، وروي - أيضا - عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد ، nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - في رواية أخرى عنه - وعن عبد الرحمن [ ص: 343 ] بن يزيد بن الأسود ، nindex.php?page=showalam&ids=16571وعطاء بن السائب ، وعمرو بن سليم وغيرهم من المتقدمين.
وحكي رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد - في رواية حرب وغيره -: أخاف أن يكون واجبا، إلا أن يكون برد شديد.
وهذا لا يدل على الوجوب جزما.
وهو رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، ولم يذكر في " تهذيب المدونة " سواها.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : أنه لا يعلم أحدا قال: إنه يأثم بتركه، غير أهل الظاهر، وأن من أوجبه، قال: لا يأثم بتركه.
وحكى - أيضا - الإجماع على أنه ليس بفرض واجب.
وذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال: قلت nindex.php?page=showalam&ids=16568لعطاء : غسل الجمعة واجب؟ قال: نعم، من تركه فليس بآثم.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق : وهو أحب القولين إلى nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان ، يقول: هو واجب.
يعني: وجوب سنة.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر قولين للعلماء، وذكر أنه أشهر الروايتين، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
والثاني: أنه مستحب وليس بسنة، بل هو كالطيب والسواك، وحكاه رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
وحكى عن بعضهم: أن الطيب يغني عنه، حكاه عن nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، وعن عبد الكريم بن الحارث المصري ، وعن موسى بن صهيب ، قال: كانوا يقولون ذلك.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي ، قال: ما كانوا يرون غسلا واجبا إلا غسل الجنابة، وكانوا يستحبون غسل الجمعة.
[ ص: 344 ] فابن عبد البر لم يثبت في وجوب غسل الجمعة - بمعنى كونه فرضا يأثم بتركه - اختلافا بين العلماء المعتبرين، وإنما خص الخلاف في ذلك بأهل الظاهر.
والأكثرون: أطلقوا حكاية الخلاف في وجوب غسل الجمعة، وحكوا القول بوجوبه عن طائفة من السلف، كما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك - أيضا.
والذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر هو التحقيق في ذلك -والله أعلم- وأن من أطلق وجوبه إنما تبع في ذلك ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من إطلاق اسم " الواجب " عليه، وقد صرح طائفة منهم بأن وجوبه لا يقتضي الإثم بتركه، كما حمل أكثر العلماء كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- على مثل ذلك - أيضا.
وممن صرح بهذا: nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، كما سبق ذكره عنه، ومنهم: nindex.php?page=showalam&ids=17342يحيى بن يحيى النيسابوري ، nindex.php?page=showalam&ids=14032والجوزجاني .
وقد تبين بهذا أن nindex.php?page=treesubj&link=27825لفظ " الواجب " ليس نصا في الإلزام بالشيء والعقاب على تركه، بل قد يراد به ذلك - وهو الأكثر - وقد يراد به تأكد الاستحباب والطلب.
ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق : إن كل ما في الصلاة فهو واجب، وإن كانت الصلاة تعاد من ترك بعضه، كما سبق ذكره عنه.
وسبق - أيضا - عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في لفظ: " الفرض " ما يدل على نحو ذلك، فالواجب أولى؛ لأنه دون الفرض.
ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي - على أن صلاة الكسوف ليست بنفل، ولكنها واجبة وجوب السنة.
وهذا تصريح منه بأن السنة المتأكدة تسمى " واجبا ". والله أعلم.