2583  18  - حدثني  عبد الله بن محمد ،  قال : حدثنا  عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا  معمر ،  قال : أخبرني  الزهري ،  قال : أخبرني  عروة بن الزبير ،  عن  المسور بن مخرمة ،   ومروان  يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه ، قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية  حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن  خالد بن الوليد  بالغميم  في خيل لقريش  طليعة ، فخذوا ذات اليمين ، فوالله ما شعر بهم خالد  حتى إذا هم بقترة الجيش ، فانطلق يركض نذيرا لقريش ،  وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية  التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته ، فقال الناس : حل حل فألحت ، فقالوا : خلأت القصواء ، خلأت القصواء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ، ثم زجرها ، فوثبت ، قال : فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية  على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا ، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه ، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فانتزع سهما من كنانته ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه ، فبينما هم كذلك ، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي  في نفر من قومه من خزاعة ،  وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة ،  فقال : إني تركت كعب بن لؤي ،  وعامر بن لؤي  نزلوا أعداد مياه الحديبية ،  ومعهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك ، وصادوك عن البيت ،  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنا جئنا  [ ص: 3 ] معتمرين ، وإن قريشا  قد نهكتهم الحرب ، وأضرت بهم ، فإن شاءوا ماددتهم مدة ،  ويخلوا بيني وبين الناس ، فإن أظهر ، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإلا فقد جموا ، وإن هم أبوا ، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، ولينفذن الله أمره ، فقال بديل :  سأبلغهم ما تقول ، قال : فانطلق حتى أتى قريشا  قال : إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولا ، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء ، وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته يقول ، قال : سمعته يقول كذا وكذا ، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام عروة بن مسعود ،  فقال : أي قوم ، ألستم بالوالد ، قالوا : بلى ، قال : أولست بالولد ، قالوا : بلى ، قال : فهل تتهموني ، قالوا : لا ، قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ ،  فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي ، وولدي ، ومن أطاعني ، قالوا : بلى ، قال : فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد ، اقبلوها ودعوني آتيه ، قالوا : ائته ، فأتاه ، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل ،  فقال  عروة  عند ذلك : أي محمد ، أرأيت إن استأصلت أمر قومك ، هل سمعت بأحد من العرب  اجتاح أهله قبلك ، وإن تكن الأخرى ، فإني والله لأرى وجوها ، وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ، فقال له أبو بكر  رضي الله عنه : امصص ببظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ، فقال : من ذا ، قالوا : أبو بكر ،  قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك ، قال : وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلما تكلم أخذ بلحيته ،  والمغيرة بن شعبة  قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه السيف ، وعليه المغفر ، فكلما أهوى  عروة  بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف ، وقال له : أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع  عروة  رأسه ، فقال : من هذا ، قالوا :  المغيرة بن شعبة ،  فقال : أي غدر ، ألست أسعى في غدرتك ، وكان  المغيرة  صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الإسلام ، فأقبل ، وأما المال ، فلست منه في شيء ، ثم إن  عروة  جعل يرمق أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم بعينيه ، قال : فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه ، وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ، فرجع  عروة  إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على قيصر ،  وكسرى ،  والنجاشي ،  والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد  محمدا صلى الله عليه وسلم ، إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه ، وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ،  [ ص: 4 ] وما يحدون إليه النظر تعظيما له ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد ، فاقبلوها ، فقال رجل من بني كنانة :  دعوني آتيه ، فقالوا : ائته ، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا فلان ، وهو من قوم يعظمون البدن ، فابعثوها ، فبعثت له ، واستقبله الناس يلبون ، فلما رأى ذلك ، قال : سبحان الله ، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ،  فلما رجع إلى أصحابه ، قال : رأيت البدن قد قلدت ، وأشعرت ، فما أرى أن يصدوا عن البيت ،  فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص ،  فقال : دعوني آتيه ، فقالوا : ائته ، فلما أشرف عليهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا مكرز ،  وهو رجل فاجر ، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هو يكلمه ، إذ جاء  سهيل بن عمرو ،  قال  معمر :  فأخبرني  أيوب ،  عن  عكرمة  أنه لما جاء  سهيل بن عمرو ،  قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد سهل لكم من أمركم ، قال  معمر :  قال  الزهري  في حديثه : فجاء  سهيل بن عمرو ،  فقال : هات اكتب بيننا وبينكم كتابا ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قال سهيل :  أما الرحمن ، فوالله ما أدري ما هو ، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب ، فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم ، ثم قال : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقال سهيل :  والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ،  ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله ، قال  الزهري :  وذلك لقوله : لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : على أن تخلوا بيننا وبين البيت  فنطوف به ، فقال سهيل :  والله لا تتحدث العرب  أنا أخذنا ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل ، فكتب ، فقال سهيل :  وعلى أنه لا يأتيك منا رجل ، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، قال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ، فبينما هم كذلك ، إذ دخل  أبو جندل بن سهيل بن عمرو  يرسف في قيوده ، وقد خرج من أسفل مكة  حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل :  هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد ، قال : فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي ، قال : ما أنا بمجيزه لك ، قال : بلى فافعل ، قال : ما أنا بفاعل ، قال مكرز :  بلى قد أجزناه لك ، قال  أبو جندل :  أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ، ألا ترون ما قد لقيت ، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله ، قال : فقال  عمر بن الخطاب :  فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقا ، قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ، قال : بلى ، قلت : نعطي الدنية في ديننا إذا قال : إني رسول الله ، ولست أعصيه ، وهو ناصري ، قلت :  [ ص: 5 ] أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت  فنطوف به ، قال : بلى ، فأخبرتك أنا نأتيه العام ، قال : قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ، ومطوف به ، قال : فأتيت أبا بكر ،  فقلت : يا أبا بكر ،  أليس هذا نبي الله حقا ، قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق ، قال : بلى ، وعدونا على الباطل ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال : أيها الرجل ، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس يعصي ربه ، وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فوالله إنه على الحق ، قلت : أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت  ونطوف به ، قال : بلى ، أفأخبرك أنك تأتيه العام ، قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ، ومطوف به ، قال  الزهري :  قال  عمر :  فعملت لذلك أعمالا ، قال : فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا ، ثم احلقوا ، قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل على  أم سلمة ،  فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت  أم سلمة :  يا نبي الله ، أتحب ذلك ، اخرج ، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج ، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا ، فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ، ثم جاءه نسوة مؤمنات ، فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن  حتى بلغ بعصم الكوافر  فطلق  عمر  يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك ، فتزوج إحداهما  معاوية بن أبي سفيان ،  والأخرى  صفوان بن أمية ،  ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ،  فجاءه أبو بصير ،  رجل من قريش ،  وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، فقالوا : العهد الذي جعلت لنا ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة ،  فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير  لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا ، فاستله الآخر ، فقال : أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ، ثم جربت ، فقال أبو بصير :  أرني أنظر إليه ، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد ، وفر الآخر حتى أتى المدينة  فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : لقد رأى هذا ذعرا ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قتل والله صاحبي ، وإني لمقتول ، فجاء أبو بصير ،  فقال : يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم ، ثم أنجاني الله منهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد ، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر ، قال : وينفلت منهم  أبو جندل بن سهيل ،  فلحق بأبي بصير ،  فجعل لا يخرج من قريش  رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير ،  حتى اجتمعت منهم عصابة ، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش  إلى الشأم  إلا اعترضوا لها ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش  إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله ، والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فأنزل الله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم   [ ص: 6 ] حتى بلغ الحمية حمية الجاهلية  وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وحالوا بينهم وبين البيت .  
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					